14‏/02‏/2009

مهاجرة مثل سنونو


رام الله الأمس لم تكن رام الله التي اعرفها. رام الله اصبحت مدينة تسكنها القسمة على اثنين او اكثر. رام الله فقدت رونقها واصبحت مدينة المال، المال الذي يجعل من السيطرة شيئا لا بد منه ولو دعا ذلك الى الغاء الآخر، ولا اقصد الآخر البعيد بل الآخر القريب، الاخ وابن العم.

شوارع رام الله في الليل تصبح مسرحا للخوف والرغبات التي لا حد لها في المعاصي. تفاجئني هذه المدينة مرة بعد أخرى.

بينما نتناثر... يتقاربون
وبعيدا جدا، الى الشمال اكثر، الى قرى نابلس المتناثرة بين السهول والهضاب، انظر الى جمال الطبيعة الربيعي، واشجار اللوز توحي بالبراءة والبياض، ولكنها على غير عادتها عندما انظر اليها، توحي لي بلا مبالاة. البيوت المتناثرة التي اعتبرتها دوما انسجاما مع الطبيعة الفلسطينية الساحرة، بدت لي فجأة انعكاسا لتناثر الواقع الفلسطيني وانقسام قيادته وشعبه.

بلعت ريقي وانا افكر بهذا الامر العجيب، ونظرت الى المستوطنات اليهودية الجاثمة على الارض، كنت اعتبرها فجة وغير قابلة للانسجام مع الطبيعة، وكان هذا في الماضي، اما الان انظر اليها وارى ما لم أره سابقا، اراها متحصنة متوحدة، وارى فيها نتائج انتخابات اسرائيلية على الابواب يفوز فيها اليمين الاسرائيلي المتطرف معلنا للجمع من العرب والعجم عدم نيته عن اخفاء انيابه، كما فعلها من يدعوّن السلام من الشارع الاسرائيلي.


تقول لي يهوديت وهي من حزب ميرتس صباح اليوم الثاني من اعلان نتائج الانتخابات لعام 2009 وفوز احزاب اليمين بزعامة ليبرمان، نيتنياهو وليفني والاحزاب اليهودية المتدينة مثل شاس، تقول انها متفاجئة من ان اعضاء حزبها والذين يدعّون اليسارية وانتقاد الحرب على غزة، هم انفسهم صوّتوا لليفني، مع انها قادت الحرب على غزة.

لماذا؟
تجيب: لانها تريد توقيع سلام مع الفلسطينيين، ولانها ليست عنصرية ولانها إمراة. كما ان اليساريين في اسرائيل خافوا من تصاعد اليمين الفاشي بزعامة ليبرمان فصوتوا لها على اعتبار انها من حزب وسط.
قلت لها، وفي القلب مرارة: ولكن هل تعتقدين ان الفلسطينيين يريدون "سلامكم" بعدما فعلتموه في غزة؟ انتم لا بد تضحكون على انفسكم. على كل حال اليسار الاسرائيلي المقبور اراد ان يثبت ولاءه للدولة التي يعيش بها، ليس اكثر ولا اقل.
وتقول يهوديت: نحن مثل قطيع، هاجسنا الاول هو الدفاع عن انفسنا ولا نبالي بغيرنا.
واهدي هذه المقولة الى الذين كانت لديهم اوهام في ايجاد شريك اسرائيلي للمرحلة السابقة والقادمة!!

بين فريقين
الاسرائيليون توحدوا، جمعوا الى حضيرتهم القطيع الشارد ممكن كانوا يسمون انفسهم باليساريين او من كانوا ينتقدون السياسة الاسرائيلية. وكان ذلك من خلال حملات اعلامية وانتخابية وتهميش لليسار اليهودي، اعتبروهم ضالين ومورست عليهم ضغوط اجتماعية، افهموا بعضهم البعض انه لا يوجد خيار آخر على ارض الميعاد.

وماذا فعل الفلسطينيون بالمقابل؟

انقسموا مثل خلايا سرطانية، واكلوا ما تبقى من جسم الوطن الجريح والمريض، لم يراعوا آلام الولادة العسيرة للتحرر، غرسوا سكاكين القطيعة والخوف.
قلت لطفل من يعبد، في الصف الثالث من عمره: لماذا لا تصلي؟ تعال نصلي معا.
نظر اليّ كالمستهجن وقال: انا من فتح. لست حمساويا لاصلي!!
عجبا!
قالت فيروز: ادعو عليهم ليل نهار، ليعذبهم الله بعذاب كبير، كما عذبوا شباب فلسطين المجاهدين.
وكانت تدعو على سلطة رام الله التي سجنت وعذبت المحسوبين على حركة حماس في الضفة الغربية وفاق تعذيبها السجون الاسرائيلية.
وقالت علياء، ام فلسطينية حنون: هل تعلمين انه في سجون الاحتلال، يحقن المرضى الفلسطينيين الاسرى بحقن مع مواد سامة تؤدي الى موتهم البطيء؟
وتقول رابعة، أرملة من قرية العيزرية (من ضواحي القدس): توفي زوجي بمرض السرطان. سجن في اسرائيل لمدة 13 عاما. وبعد ان خرج اصبح عنده سرطان في الكبد.
ونظرت الى صورته: كان رجلا ملتحيا ويبتسم بشيئ يدعو الناظر ليعيد اليه النظر.
قلت لها: ليبارك الله في ذريتك.
قالت بسخرية مريرة: وهل ابناء اليوم مثل آبائهم؟

حزينة انا في وطني، ومهاجرة مثل طائر سنونو.

ليست هناك تعليقات: