14‏/02‏/2009

قصة امرأتين


الكثير من الافكار والتساؤلات تجتاحني في هذه الايام، وعندما احتاج الى اخراجها الى حيز الكلام، تختنق فجأة وتؤثر النزول الى القاع. الكتابة عندي عبارة عن صراع بين الداخل والخارج، داخل نفسي وخارجها، داخل مجتمعي وخارجه، داخل حياتي وخارجها. ولذلك أجد نفسي في كثير من الأحيان أمهّد لنفسي بمقدمة، تكون بمثابة تمهيد للكتابة، تمهيد لي حتى استطيع اخراج تلك الافكار والشحنات الداخلية الى الخارج.

وها هي تخرج الآن...

ابتسام
اسمها ابتسام، صديقة عزيزة. لديها عائلة من زوج وثلاثة اطفال. أعيش معها في الفترة الأخيرة لحظات طويلة من التأمل في المجتمع وفي أنفسنا. جميل ان يجد المرء صديقا في هذا الزمان، صديقا يتبادل معه الأفكار والمشار بدون أدنى تحفظات. جميل أن يعيش المرء منا حياته وهو في رفقة من يحبهم، يربطه بهم ما يقربه الى حب الله عز وجل.

عرفت عن طريق ابتسام الكثير عن نفسي وعرفت عن طريقي الشيء الكثير عن نفسها. وفي غمرة الشوق للقاء يجمعنا، قالت لي: علينا ان نفكر كيف يمكن لنا ان نتحرر من الآخر، كفانا حديثا عن المحتل، ربما حان الوقت من أجل ان نتحدث عن واقعنا وان نسرده دون الحديث عن الآخر.


المعذبون في الارض.. اين قصتهم؟
ما يزعج ابتسام هو ان الفلسطينيين، كما اي شعب تحت الاحتلال، لا يفقد فقط ارضه بل ايضا هويته. "نعم فقدنا استقلال هويتنا" تؤكد ابتسام.

ولكن هل يمكن في معادلة غير متكافئة بين شعب يرزح تحت الاحتلال وبين شعب محتل ان يبدأ احدهما بالحديث عن هويته دون الآخر؟

وكنت في السنة الاخيرة قد طالعت بعض نظريات ما بعد الاستعمار، وهي نظريات على الاغلب تعالج اوضاع الشعوب والبلدان التي "تحررت" من الاستعمار التقليدي الذي ساد في القرون الماضية وخاصة القرن ال 18 و ال 19 ومنتصف ال 20 ومن خلاله قامت دول استعمارية مثل بريطانيا، فرنسا والولايات المتحدة وغيرها باحتلال شعوب اخرى والاستيلاء عن ثرواتها.

ونظريات ما بعد الاستعمار تحاول ان تتبع الدول التي "تحررت" من استعمار الدول الكبيرة وكيف انها اصبحت مستعبدة ولكن بطرق اخرى واهمها الثقافة.

ويشير سارتر في مقدمة كتاب "المعذبون في الارض" الى ان ما فعله الاستعمار كان خلق فئة من الشعب المحتل والتي تتبى افكار الدول الاستعمارية وتروّج لها بل وتصبح أداة في يدها تحركها كيفما تشاء. وبكلمات اخرى اذا نعقت بوم في الغرب وجدت الف بوم تنعق بنعيقها في الشرق. وهذا طبعا ما نجده، واريد ان اذكر بخاصة الافلام المصرية "التافهة" وهي كثيرة وهي عبارة عن نسخ لسيناريوهات افلام اجنبية. ولفت انتباهي فيلم يحكي قصة اربع نساء مصريات يحاولن التحرر من قيود المجتمع، ومن يا ترى هن؟ احداهن تعمل في شركة دعاية، واخرى مغنية، وواحدة كاتبة سطحية، اما الرابعة فقد نسيت دورها في الفيلم او حتى في الحياة نظرا لتفاهته، وكل ما يحاول الفيلم ابرازه هو "مقومات النساء"وهي لا تعدو الاستعراض. كما ان الافكار التي يعرضها الفيلم مستوردة عن مسلسل امريكي يعالج قضايا النساء الامريكيات من خلال اربع نسوة. ولكن شتان ما بين العرضين. ولا مانع برايي من التطرق الى القضايا التي تشغل النساء العربيات، بل هذا مطلوب وشرعي، ولكن ليس بطريقة تكرّس استغلال النساء من خلال عرض اجسادهن على المارة.


اريد ان أراني
وعودة الى ابتسام، نحتاج الى التحرر فعلا، ولكن ما هي الادوات التي يمكن لنا ان نستعملها من اجل الحديث عن انفسنا وبلغتنا ومصطلحاتنا؟ ما هو السبيل الى تهميش الآخر، ليس من مفهموم التجاهل، بل من مكان الثقة باننا قادرين على صياغة مستقبلنا، حاضرنا وماضينا بالطريق التي تعبّر فعلا عنا، وليس نسخا لمصطلحات ومفاهيم يريدنا الآخر ان نرى انفسنا من خلالها.
ولذلك اكتب. واعيد الكتابة. اريد ان تخرج كل الاوهام والترسبات التي اصنعها بنفسي ويصنعها الاخرون لي، لاني اريد ان ارى نفسي ولو لمرة واحدة في المرآة كما انا... كما أنا.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

قصدك انو انا ميساء مش معبيي عينك بنقاشاتي ؟!