21‏/08‏/2009

برلين هل تعلمين؟ الجزء الاول

مسجد في برلين.. هل تعلمين اني شعرت بالاسلام خفاقا في قلبي؟

في برلين كل شيئ يوحي بعدم الاكتراث لما بعد الموت. برلين تعيش حياتها اليومية ولا تأبه بالله. وفيها اشتقت كثيرا لصوت الاذان، اين يمكن لي ان أسمع صوت "الله اكبر". خرجت باحثة عن مسجد، وضلت بي الطريق، او انا ضللت الطريق.
قلت في نفسي: انت في حي فيه محلات الشوارما التركية، ولا بد ان يكون مسجد في الجوار.
ابحث عن مسجد وسط برلين
بالصدفة التقيت احدهم، كان من اصول تركية لا يعرف العربية ولا الانجليزية، اما انا فلا اعرف التركية والالمانية. ولكن ما ان قلت له اريد جامع بالعربية، حتى قفز من مكانه، وابدى استعدادا لان يرافقني الى المسجد القريب. وتبين لي ان اخي المسلم اسمه صلاح الدين، من اصل الباني ولد في المانيا ويعمل دهانا. والاجمل من ذلك انه ايضا مؤذن في مسجد الانصار الذي ذهبنا اليه. قال صلاح الدين:
"انا اتحدث التركية، الالمانية واليونانية".
سالته: والعربية؟
قال: لا اعرف.
قلت: لغة القرآن.
قال: اسف عربي لا اعرف.
كنا نتحدث بلغة الاشارات. سالته كيف المانيا؟ واشرت بابهامي تارة للاعلى وتارة للاسفل.
قال: المانيا كافرة.
قلت: وما رايك باتاتورك؟
قال: كافر.
مررنا بالقرب من متحف يسبقه تمثال لقائد يعلو حصانا، قلت: من هذا؟
قال: هذا وليام الثاني الكافر.
قلت: وما رايك بالسلطان عبد الحميد الثاني.
اومأ برأسه انه جيد جيد.
وفي المسجد اصابتني ارتعاشة. شعرت اني انتمي الى دين حنيف رائع. كل مكان على هذه الارض هو مسجد. وكان يتلى القرآن فيه. شعرت باخوة عجيبة تربطني باهل المسجد وبكل مسلم اراه على الطريق. وفي نفس الوقت شعرت بالحنين لمسجدي الاقصى. وتقلبت في عيني دمعة قبل ان تسقط.

الخطاب والذاكرة ورجل اسمه افق
وفي مكان اخر، قريب من حي تركي، كان يقبع المتحف اليهودي، وعليه علامة نجمة داوود المصنوعة من الالمينيوم. المبنى كبير جدا. وفي الداخل كان يعج بالزوار من اليهود والالمان وغيرهم. لفتت انتباهي جولة في المتحف تحت عنوان: "المشترك بين اليهودية والاسلام"، واردت ان اعرف ماذا "يبيع" هذا المتحف لزواره. اما مرشد الجولة فشاب تركي اسمه افق، يقول عن نفسه انه مسلم ملتزم، يدرس في جامعة المانية واحب كثيرا ان يكون مرشدا في المتحف اليهودي. لماذا؟ لانه يؤمن بانها خطوة اولى من اجل التعايش بين الاديان والثقافات.
كان غريبا ان اجده هناك بين الصور، المجسمات، الحواسيب وداخل هذا التصميم. كنت اراه مثل اي "معروض" ولكنه حيّ ومتنقل. نقلنا افق من زاوية الى اخرى، كان يرطن بلغة انجليزية. كيف لا وقد عاش في سان فرانسيسكو وله اصحاب من اليهود وغيرهم. اخذنا افق الى زاوية خاصة "بالشتات اليهودي" وقال لنا ادخلوا بين الحجارة العالية المصنوعة من الباطون والتي اصطفت الواحدة مقابل الاخرى، وستضيعون وتشعرون بالتعب وهذا ما شعره اليهود في شتاتهم بعد الحرب العالمية الثانية.
قلت لنفسي: كوني حيادية. انظري الى هذا المتحف الكبير والذي صمم بدقة من اجل ان يروي قصة شعب يبحث عن وطن، لدرجة انه اغتصب ارض شعبك. انظري حولك، يحكي هذا الشعب قصته، وانت اين قصة شعبك الذي يعيش الاحتلال يوما بيوم في الوطن والشتات؟
اردت ان اكون واقعية، قلت في نفسي ليت لشعبي غرفة يحكي فيها قصة شتاته، ليت له حائط يروي فيها محرقة غزة 2008-2009.
تسالت: لماذا لا نتكلم نحن المسلمون بلغة العالم اليوم؟ اليس غريبا ان تعيش في عالم لا تتحدث لغته؟
هناك لغة تدرج في عالم اليوم، لغة لها قواعد ومصطلحات، ومنها الذاكرة الجماعية. الذاكرة وسيلة او لنقل اناء يضع فيه كل شعب تراثه وقيمه ويعرضه من خلال متاحف ويطوّر بذلك لغة للتواصل مع ذاته ومع الاخر.
في برلين عرفت كم نحن بحاجة الى تطوير مفهوم الذاكرة وعرضه، هذه لغة الحوار التي افهمها والتي من خلالها احاول ان ابني اسلاما يكون متواصلا مع الاخر، لا منفيا من الحيز العالمي بتهمة الارهاب او التخلف.
افق اعادني الى وعيي واذ بنا في القاعة التي من المفترض ان تعكس المشترك بين اليهودية والاسلام. وماذا وجدنا في القاعة؟ كلها عروض عن اليهودية كديانة، عادات وتقاليد وغيرها. واين الاسلام؟ تسالت.
قال افق: انا الذي يشرح عن الاسلام ولدي مصحف وسجادة. ان هذا متحف يهودي ومن غير المعقول ان يعرض الاسلام. ليس في اوروبا متحف اسلامي. قال مبررا.
قلت له: هذه اشبه بالخدعة. انتم تعدون بشيئ وتقدمون شيئا اخر. ليس هنا ما يدعو الى التفكير بان شيئا مشتركا بين الاسلام واليهودية. بل ليس هنا شيئ يمت للاسلام بصلة.
قال افق: لست الشخص المناسب لمناقشة مثل هذه الامور.
نظرت الى افق وهو يغادر، كانت فعلا سخرية قدر. وبعد ان غاب عن نظري فكرت ان اقول له: فعلا انت لست الشخص المناسب لهذا المكان. هذا المكان ليس لك.
بحثت عن افق، ولكنه كان قد اختفى بين النصب والتاريخ الذي يكتبه كل على هواه.

الاتراك، العرب والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
زهرا هي تركية اخرى قابلتها، اكاديمية تبحث في اعتناق الاسلام في الغرب، وتبحث في موضوع "اللاسامية لدى المسلمين في المانيا". لاسامية؟؟ ومسلمون؟؟ كيف يكون المسلمون ضد انفسهم؟
-- يتبع--