20‏/03‏/2009

عندما تفكر في شيئ حتما سيتحقق

اعجبني ما قيل عن الصورة اعلاه: حزن بلا خوف.

اشتقت للكتابة. زمن طويل مضى منذ آخر كلمة كتبتها، ولكن الافكار لا تزال تزورني دائما، تراودني للكتابة وكنت اؤجل ذلك في انتظار لحظة الالهام.

اجتياح
كان الوقت الساعة الخامسة والنصف صباحا، كنت بين اليقظة والنوم أحاول ان أخرج من سريري لصلاة الفجر المتأخرة. أسمع بداية زقزقة العصافير، كنت في جهاد كبير مع نفسي التي سولت لي البقاء في السرير الدافئ.

وفجاة، سمعت طرقات تتسارع لتتحول الى ضجة على الباب، وسمعت بحسي الأمني صوت أجهزة الاتصال بين افراد الشرطة، فقفزت من سريري وصرخت من خلف الباب: من الطارق؟ وانا اريدي لباس الصلاة. قابلني صوت مستعرب يقول: السلام عليكم افتحي الباب. ومن وراء الباب سألني وحوله نفر من حرس الحدود عمن يسكن في الحي؟ فقلت لا اعرف وحاولت ان اكون باردة الاعصاب. ولما ذهبوا، شعرت باني اريد ان انفجر من الغضب. سارعت للصلاة. صرخت مئات الاصوات في صوتي: ويحك يوقذك جيش الاحتلال الاسرائيلي لتصلي!

وفجأة علت اصوات الرجال في الحي، يتساؤلون عن سبب هذه الزيارة العسكرية المفاجئة لكل بيوت الحي. وعرفت لاحقا انهم اعتقلوا شابا مراهقا من الجيران، لا اعرف عنه شيئا سوى انه يرفع صوت الاغاني الوطنية والجبلية والعاطفية الى درجة ان "الارض بتتكلم عربي في العمارة "!

جاء جنود الاحتلال لنتذكر جميعا اننا في بلد محتلة. وقالت احدى الصديقات متهكمة: "جاءوا من اجل الاطمئنان على احوال الرعية"!

موقف مخزي وفيه نوع من الاذلال ان يشعر الواحد بانه يؤخذ بغتة وهو نائم، بينما يسهر المحتل على أمنه. اين كنا عندما احتلت ولا تزال تحتل البلاد العربية والاسلامية؟ هل كنا نيام الى هذه الدرجة؟


العزاء والخوف
خيمة الاعتصام في سلوان، او ما اسميها خيمة العزاء في سلوان، تأسست مؤخرا من اجل حشد الجماهير لمنع هدم مئات المنازل في حي البستان والعباسية في ضاحية سلوان وغيرها من الضواحي الفلسطينية في القدس، وذلك من قبل قوات الهدم الاسرائيلية. اسميها خيمة العزاء لان الحضور فيها ياتون لبضع دقائق معزين اهل البيوت المنكوبة ويذهبون في حالهم.

قال لي ابو حامد من اهالي سلوان وبيته مهدد بالهدم: احاول ان اجمع الناس على الخوف من فقدان بيوتهم. الخوف هم العقيدة التي توحد الجميع.

اجبته: ربما يشعر الناس بالخوف، ولكني اختلف معك في توحيدهم على الخوف، حيث يصعب عليك قيادة شعب خائف. الخوف شيئ لا يمكن السيطرة عليه ولا يمكن التنبؤ في تأثيره. هاهم الاسرائيليون يتوحدون في الخوف. لديهم ثقافة خوف منذ مئات السنين. يخلقون لهم اعداء في كل مكان تحت شعار الدفاع عن النفس ولتبرير عدوانهم على غيرهم. لننظر ماذا جعل منهم الخوف؟ لقد افقدهم انسانيتهم.

ويجيب ابو حامد: ربما معك حق. ولكن الحياة مبنية على ترغيب وترهيب. هناك اناس لا يمكن ان يتحركوا الا اذا خافوا، وهناك من هم عقلانيون يحتاجون للوعي من اجل ان يتحركوا. ولا ضير من تجربة عدة اساليب في النضال.
وفي لحظة الافتراق قال لي: تذكري دائما انه اذا اردت لشيئ ان يكون عليك ان تفكري به دائما.. وحتما سيكون.


نحن شعب له تاريخ
اليوم وفي خطبة الجمعة، علّمني الخطيب شيئا لم اعرفه سابقا: نحن ننتمي الى شعب تجذر في فلسطين لمدة تقارب 7500 سنة قبل الميلاد.




05‏/03‏/2009

اربع صدمات في الاقصى

لا بد ستسطع شمس الحرية فيك يا قدس وعلى الله الاتكال

ما الذي يحدث وأين وصل بنا الحال؟
أقصانا يئن تحت وطئ الاحتلال
وكيف أمتنا تسكت على هذا الضلال؟
يدنسون اقصانا بلا حياء ولا خجل
فلا حياة في أمة لا تنجب الرجال..

بلا حشمة
أربع صدمات كانت كفيلة بالقضاء على يومي. احساس فظيع بعدم القدرة على فعل شيء، ولا حتى التقاط صورة لتنشر ما يدور بين اسوار المسجد الاقصى المبارك. اذا كان يهمكم ان تعرفوا ما الذ يحدث وكيف يضيع أقصانا تعالوا الى باحاته وانظروا بين قبابه ومساطبه.
الصدمة الاولى كانت في افواج السائحات والسواح الاجانب الذين يتنزهون في جنبات الاقصى الطاهرة بلا ادنى احترام، فالسائحات كاسيات عاريات، كل واحدة تتأبط ذراع رفيقها بلا ادنى شعور، وكانهم يسيرون في منتزة او على شاطئ بحر. يصورون كل ما يحيط بهم، يسرقون الصور بلا معرفة بتاريخ او مكانة هذا المكان القدير.

وكان في الماضي غير البعيد على السائحات ارتداء الملابس التى تغطي عوراتهن من اجل دخول المسجد، اما اليوم فلا رقيب عليهن يرتدين ما يشئن بلا تحفظ. وكيف لا تفعل السائحات ذلك؟ بينما بنات المسلمين يدخلن المسجد متبرجات؟

ولا يحترم اطفال المسلمين باحات المسجد التي صلى فيها الانبياء وتصلي فيها الملائكة؟ فيلعبون كرة القدم ويتراكضون فيه وكأنهم في ملعب لا في مسجد؟ وكيف يخترم الاغراب مسجدا، يتحول أيام الجمع الى متسكع للشباب الحيارى والفتيات العذارى؟ ووكرا للمتسولين والمتسولات الذين لا يحترمون مسجدهم، ولو دعوا الله من قلب صادق لأعطاهم. وفيهم إمراة تجلس في انحناء وتذلل للمارة تطلب مساعدتهم في صوت فيه الكثير من التذلل المثير للاشمئزاز. وغير مرة قيل لها: "حرام ان تتسولي في المسجد. قومي للصلاة افضل لك". ولكنها تصر على المعصية وتراها في نفس المكان كل جمعة وكانها اخدت على نفسها عهدا بان تعصي الله في مسجده.

شرطة الاحتلال الاسرائيلية "تتعرف" على المسجد
واما الصدمة الثانية فكانت في الجزء الجنوبي من المسجد الاقصى الذي يتميز بقبته السوداء، وكنا قد صلينا ركعتي تحية المسجد، وكانت الساعة الواحدة ظهرا، ورأينا عجبا، مجموعة كبيرة من شرطة الاحتلال تدخل المسجد، واعتقد انهم دخلوه في احذيتهم، يرافقهم احد حراس المسجد الاقصى، يسيرون في المسجد ويصورون المكان، كانت بينهم شرطيات، وقفوا امام منبر صلاح الدين الايوبي، وكان من بينهم ايضا رجال شرطة متدينون.
وكان هذا مشهدا يثير الغضب، رجال المسجد المسلمين نظروا الى جيش المقتحمين الذين دخلوا المسجد وبكل وقاحة. كل المسلمين نظروا، وفي اعين البعض منهم فرت دمعات. وكنت اشعر في تلك اللحظات بالقهر وعدم القدرة على فعل شيئ. بحثت عن كاميرا ولم تكن لدّي. بدأت بقراءة سورة التوبة وحزني شديد:
"براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتهم من المشركين. فسيحوا في الارض اربعة اشهر، واعلموا انكم غير معجزي الله وان الله مخزي الكافرين. واذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر ان الله بريئ من المشركين ورسوله، فان تبتم فهو خير لكم وان توليتم فاعلموا انكم غير معجزي الله، وبشّر الكافرين بعذاب اليم". (التوبة، آيات 1-3)
وتكشف سورة التوبة علاقة المسلمين بالكافرين والمنافقين، وكانت سببا في ارتياح نفسي تسلل الى نفسي في قوله تعالى: "الم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده، ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم" (التوبة، آية 104).

جماعات يهودية تحلم ب"الهيكل" وشبابنا يلعبون
وكانت نفسي قد ارتاحت ونحن نغادر المسجد باتجاه باب القطانين، ولكن شاء الله ان تكون صدمتي الثالثة في ان ارى
جماعات من شباب يهود متدينين يجولون في باحات المسجد تحت حراسة شرطة الاحتلال، يلتقطون الصور بينما يتحدث مرشدهم عن حقهم في "جبل الهيكل" وهو المسجد الاقصى المبارك، كانت على وجوهم اثار الفرحة بدخول باحات المسجد، وكانوا منفعلين، ولا عجب في ذلك وهم يربون على واجب "بناء هيكلهم المزعوم". كانت هذه الافكار تدخل رؤوسهم منذ نعومة اظفارهم، وما دخلوا باحات المسجد الا ليثبتوا لانفسهم قدرتهم على اقامة صلاتهم فيه.

ولم افق من هذه الصدمة الا لأجد صدمة تلحقها، فبعد خروج المجموعة اليهودية التي دنّست تراب باحات المسجد، لأجد مجموعة من شباب وشابات المسلمين ولا بد انهم من احدى المدارس الثانوية يدخلون المسجد ويتضاحكون وكانت الفتيات بلا لباس محتشم وبالكاد غطين رؤوسهن. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

الكابوس والحقيقة
في ليلة من ليالي الشتاء، استفاقت ميساء وكانت خائفة مضطربة، وكانت ليلتها قد شهدت كابوسا مفزعا، قالت وهي في قلق شديد: "حلمت باننا نطرد من الاقصى. كان اليهود قد دخلوه بينما المسلمون يطردون منه، وكنت احاول مناقشه محاضر يهودي في جامعتي واقول له: كيف تفعلون ذلك؟ كنت اصرخ وهو لا يجيب".

- ربما يا ميساء سيتحقق حلمك. فالاقصى يضيع ونحن نيام. ربما سندخل الاقصى خلال ساعات محددة، وسيدخله اليهود والسائحون في ساعات اخرى. ربما ستجدين نفسك يوما محرومة من صلاة الفجر والعشاء، كما يحدث في المسجد الابراهيمي في الخليل، حيث يخضع المسلمون الى تفتيش امني مشدد عند دخول المسجد، هذا غير ان المسجد مقسّم الى قسمين: احدهما للمسلمين والاخر للمتطرفين اليهود.

لم يبق لنا سوى الرباط
الحزن يطفو مثل بقع زيت في بركة ماء. ولا يبقى لنا سوى الدعاء للاقصى والاعتكاف والرباط فيه حتى يقضي الله امرا كان مفعولا.