05‏/02‏/2009

اي عنوان تريد لهذه المرحلة؟

عندما اقول حسبي الله ونعم الوكيل ليس فقط للأسى على ما أرى بل لجمع القوى والنهوض.

البحر كان خلفي، والشارع ممتلئ بالسيارات، كانت ازمة سير، جلس مقابلي شيخ وعجوز اثيوبيان باللباس التقليدي، يتحدثون باللغة الامهارية، لم افهم شيئا. كما لم افهم شيئا مما تقوله النساء الروسيات في المقعد المجاور. نظرت حولي، كان الباص الذي يسير في شوارع حيفا يخبر الكثير عن المجتمع الذي اعيش فيه. اسرائيل مجتمع يخلط اعراقا من مهاجرين يهود اروروبا الشرقية، روسيا، امريكا وحتى افريقيا. وانا.. اين انا؟ واين شعبي؟

أين أنا واين شعبي؟
قفز هذا التساؤل الى ذهني في اللحظة التي انعطف الباص ليدخل البلدة القديمة في حيفا، وهناك رايت مسجدا ودورا من حجارة قديمة. قلت في نفسي: هذا انا وهذا شعبي.. اصبح شيئا من القديم. تاريخي قديم. واهلي اين هم الآن؟
مبعثرون هم في الشتات وحتى في الوطن. منقسمون، لا وحدة ولا وطنية. حزين انت يا مسجدي مثلما انا حين ارى القدم في حجارتك، ولا ارى استمرارا كافيا لك في الحاضر.
لا.. لا.. لست متشائمة. لا اقول ان اهلي ممن يعيشون في الوطن وخارجه فقدوا الانتماء، ولا الغي وجودهم. لا اقول انهم لا يشتاقون كما اشتاق.. ولا اقول انهم لا يريدون ان يعودوا وان يعيدوا الحق الى اصحابه كما اريد. ولكني ارى اننا نحب ونريد ونتمنى ونتأمل ولكن تقريبا لا نعمل الكثير، ولا حتى الحد الادنى من الذي يجب ان نفعله.

عودة الى التهجير
اغادر البلدة القديمة في حيفا ولكنها لا تغادرني. الكلام الكثير وباللغات المتعددة في الباص يعيدني الى الواقع الذي اعيش فيه. وفجأة تظهر صورته امامي: ليبرمان.. وشعاره الذي لا يفارق الشوارع العامة في الداخل وحتى في غور الاردن المحتلة عام 1967، يقول ليبرمان: لا ولاء.. لا مواطنة.
ليبرمان المستورد من روسيا الى هذه البلاد، لا يعرف ملحها ولا خبزها ولم يعمرها. بل جاء من البعيد من اجل الاستيطان على ارض ليست ارضه، يقول للسكان المحليين يقول للفلسطينيين اذا كنتم غير موالين لاسرائيل فلا مكان لكم هنا. بمنتهى الوقاحة التي تجاهر بالعنصرية يقول لنا: سنخرجكم من هذه الارض اذا لم تغلقوا افواهكم.
الحديث عن طرد العرب الفلسطينيين من فلسطين ليس جديدا، منذ سنوات الثلاثينات من القرن العشرين، اي قبل حوالي 90 سنة والترويج لهذه الفكرة قائم، حيث ينصب تفكير اليهود على تحويل فلسطين الى يهودية كلها، حتى وهم اقلية وكنا وقتها اغلبية كانوا يفكرون بطردنا من بلادنا. وجاءت حرب 1948 او جيء بها من اجل طرد اكبر عدد من الفلسطينيين من ارض الاسراء، وتم لهم هذا المر جزئيا، وفي عام 1967 طرد وهجر الفلسطينيون ايضا في الضفة الغربية وغزة. ولا بد ان كل ممارسات اسرائيل العسكرية والعنصرية من اجل طردنا من ارضنا.

بين الاعتراف وانكار الواقع
وفي نقاش حول هذا الطرد قالت احدى الصبايا: لا تكوني متشائمة، لن يستطيعوا طردنا، الاعلام مختلف عما كان ايام النكبة والنكسة، سنفضحهم. ونحن لن نسكت على الطرد والتهجير.
قلت لها وفي القلب مرارة: اذا كان الامر يتعلق بتوقعاتنا فنحن دائما نتوقع الاحسن ولا ننال الا الاسوأ. هل توقع اجدادنا وهم اغلبية وكانوا يعّلمون اليهود "المساكين" في نظرهم الزراعة وفنون التعامل مع الارض، ان هذه الاقلية الوافدة ستطردهم من ارضهم. هل توقعوا بان ضيفهم سيطردهم من بيتهم بعد ان آووه؟؟
وعندما كانت اسرائيل تروّج لاقامة سلطة بديلة عن الاحتلال عام 1967، قال الفلسطينيون: لن تنجح اسرائيل في تسويق الاحتلال بهذه الطريقة وان تجد بديلا فلسطينيا يقبل بان يكون شركة حراسة لاسرائيل ومطامع اسرائيل. وماذا حدث؟ عام 1994 وقعت اسرائيل اتفاقية لم تحلم بها لاقامة سلطة فلسطينية تمارس دور الشرطي لحماية مصالح اسرائيل.
وهناك مثال اخر عن الجدار الفصل العنصري الذي كان حزب العمل يريده قائما ليفصل بين الفلسطينيين واسرائيل، وكان هذا في السبعينات من القرن الماضي (يعني تقريبا قبل 40 سنة) هل توقع احدنا ان هذا الجدار سيقوم؟؟
وامر اخر عن الحرب الاهلية والانقسام بين الفلسطينيين، كان هذا الامر اشبه بالكابوس واستبعده كل من استبعده. من كان يصدق ان الفلسطينيين سيتراشقون الاتهامات والسكاكين في ازمة مثل الحرب على غزة؟ من كان يجرؤ حتى على ان يتخيل ان هناك من الفلسطينيين من سيسجن اخاه في سجن لا يعلم بظلامه الا الله، ليخرج منه شباب فقدوا ليس فقط ابدانهم بل ايضا عقولهم من جراء التعذيب؟ من كان يتصور ان في الطابور الصباحي لمدارس في الضفة العربية سيقف المدير المؤيد للسلطة ليهاجم المقاومة وليغرس في قلوب الاطفال الفلسطينيين الكراهية والحقد على كل فلسطيني اخر لا يحمل نفس الآراء والمواقف؟
انا لم احلم بهذا ابدا. لم اتخيل ان نصل الى هذه المرحلة ابدا. ولكننا وصلنا اليها ، لاننا لم نفتح اعيننا جيدا ونرى الواقع. كنا مغلفين بغشاوة من الامل واستبعاد الخطر.

واحة للعنصرية؟
ولنعد الى ليبرمان، الذي كان من المفروض ان يخرج من الانتخابات بل وان يقدم للمحاكمة في دولة تدّعي انها واحة الديموقراطية في الشرق الاوسط. لانه فعلا يشكل تهديدا ليس فقط على امن الفلسطينيين في البلاد بل وعلى اليهود انفسهم.
ولكن الخطير في الامر ان ليبرمان ليس فردا في اسرائيل، بل هو يمثّل الشارع الاسرائيلي العام، هل يمثّل رغبة اسرائيلية في "تطهير" البلاد من الفلسطينيين. خطاب ليبرمان يخدم الخطاب الذي تغنيه اسرائيل ليل نهار عن يهودية الدولة.
قال لي عاموس: ربما سنخرج نحن ايضا من اسرائيل. لاننا لا نتفق مع مواقف ليبرمان! وقالت شاي: كنت مهددة بالفصل من المدرسة التي ادرس فيها لاني طلبت من الطلاب ان يكتبوا ماذا يفكر اطفال غزة. وكان هذا وقت الحرب.
اما ايتان فقال: للاسف نحن نذهب الى هناك.. لننظر ماذا سيصير. ليبرمان كان في الحكومة السابقة ولم يفعل شيئا يعجز عنه اخرون من الاحزاب الصهيونية.
نحن نذهب الى هناك.. يعني المصيبة الكبيرة او الكارثة التي ستلحق بنا. من ناحية اليهود الذي يخالفون مواقف الدولة فانهم سوف يعاقبون ولكنهم لن يقتّلوا. نعم.. نحن في مواجهة التقتيل.. لا تستغربوا هذا ابدا.

قالت لي: هناك شيء في الجو، في الشعارات في الكلام، في كل شيء يشجع الشعور اليهودي العام بان قتل الفلسطينيين اصبح ضرورة.
نحن نتحدث عن ابادة وليس عن شعور بالابادة. القتل والدمار الذي حدث في غزة، دون ان يشعر اغلبية الاسرائيليين باي تأنيب للضمير، بل التشجيع من اجل قتل اكبر عدد من الفلسطينيين، وليس مهما لهم من هم. لانهم ببساطة في عيون اغلبية الاسرائيليين ليسوا بشرا مثلهم.
الصوت الفلسطيني في الجليل والمثلث كان اعلى الاصوات داخل المجتمع الاسرائيلي التي دعت الى وقف الحرب حالا. وكان الرد عسكريا باعتقال العشرات من الشبان، واعلاميا بالتحريض على "مواطني الدولة" الذين فقدوا ولاءهم واصبحوا "طابورا خامسا".
هذا هو الجو الذي يغذي حملة ليبرمان لطرد الفلسطينيين من بلادهم، بعد ان فشل في الانتخابات السابقة، قبل حوالي اربع سنوات، في ترسيخ شعاره: الاردن هي الدولة الفلسطينية.
واليوم لديه شعار عملي يتغذى من اجواء العنصرية والشعور الاسرائيلي العام بالانتصار على الفلسطينيين وهم يرون الدمار والقتل الذي الحقته الة الحرب العسكرية بالفلسطينيين.

ماذا ينتظرنا؟ وماذا نفعل؟
ينتظرنا مصير صعب جدا، نحن كشعب فعلا مهدد بالقتل على ارضه. ليس هذا الامر مستبعدا. هناك تهيئة للمجتمع الاسرائيلي لتقبل هذا الطرح، وهناك استعداد شعبي اسرائيلي بالمشاركة والسكوت عن هذه الجريمة. لا اتحدث عن جريمة مستقبلية في فيلم بوليسي، بل جريمة تحدث يوميا من مصادرة الاراضي، والتهديد بهدم المنازل، وسلب الحقوق المدنية، وكم الافواه، والتحريض الاعلامي، وقتل المدنيين برصاص الشرطة في المظاهرات وغيرها.
يقول طفل فلسطيني في الخامسة لأمه: اريد ان يكون لي مصنع اسلحة حتى احارب وادافع عن نفسي امام اليهود. تقول له امه: لا تخف، فنحن في امان ولا توجد حرب علينا. يجيبها: اماه، انهم يقتلون الاطفال في غزة. يجوعونهم ويهدمون منازلهم. تخاف الام وهي تنظر الى ابنها، وتحاول ان لا يفكر بهذه الطريقة. تفكر وتقول: اريدك ان تتعلم وان تساهم في بناء مجتمعك. وان تبني مصنعا من اجل ان يعمل فيه ابناء شعبك ليعيشوا بكرامة.

لنعزز ثقافة الصمود
يبقى علينا ان نعترف بوجود هذا الواقع. والا نتعامى عنه او نحاول ان نتجاهله. ربما نحن لن نستطيع ايقافهم. ولكننا نستطيع ان نقوي انفسنا. وان ندعم الضعاف فينا وان نتغلب على نقاط الخلاف. بكلمة واحدة علينا ان نوحد جهودنا من اجل درء هذا الخطر.

والذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا: انا لله وانا اليه راجعون، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. لنتقرب من الله عز وجل بالطاعات ولنصبر على البلاء. وايضا لنأخذ بالاسباب التي تقوينا ومنها: تعزيز الحوار بيننا، وتعزيز الاعلام ونشر المعلومات ليس فقط لدى وسائل الاعلام الرسمية بل ايضا لدى الافراد في كل المجتمعات التي يمكن الوصول اليها. لنعزز ثقافة الصمود، الصبر والبقاء فينا، لندعمها بالامثلة الحية والواقعية لمجتمع يعيش تحت الاحتلال ويبقى على ارضه.

ربما لن يكون لدينا سلاحا فتاكا مثل الذي بين ايديهم، فالتكن اذا ارادة لا تهزم بالبقاء معنا.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

صدقت ولكي اختلف مع قليلا ، حيث ان جيل الشباب الموجود اليوم هو شباب متعلم مثقف وواعي ، ما يميزه عن الاجيال التي سبقته ، وهذا امر يدخل فسحة من الامل الى النفوس ولولا الامل ما بقي كل منا صامدا حيث هو اليوم ، واكبر دليل هم اهل غزة اهل العزة الكرامة الذين تعلموا درسا لا ينسى من النكبة وبقوا قابعين حيث هم برغم كل ما لحقهم ... ولكني اتفق معك وبشدة باننا لا نقوم بما يتوجب علينا القيام به ، بالرغم من انه بيدنا الكثييير لنقوم به ولو على مستوى الكلمة ، بوركت اختاه وبوركت اناملك