28‏/11‏/2008

شباب انا ومن بعدي الطوفان


تحاصرني الذكريات اينما كنت. عهد مضى ولكن يبقى الألم أحيانا ليعصر القلب. وعندما تتقلب الحكايا أمام عينيّ فلا بد من دمعة في القلب.

شباب لا يقول: لا
قبل عدة سنوات قالت لي إمراة فلسطينية في نهاية الاربعينات من عمرها، "لماذا الشباب الفلسطيني متردد وخائف؟ كنت أظن انه مستعد للإقدام والمثابرة، ولكن للاسف تبين لي أن الشباب هنا سلبي معظم الوقت". كانت ليلى من الفلسطينيين العائدين الى مناطق السلطة الوطنية في منتصف التعسينات، وكنا نتحدث بالقرب من المركز الثقافي الفرنسي في مدينة نابلس. قالت ليلي أنها لم تر مدينة مثل نابلس لا يستطيع شبابها ان يكونوا هم أنفسهم وليس نسخة من أهليهم.
كنت وقتها في ال 23 من عمري، اخوض تجارب عدة، أصارع نفسي، حتى أجد لي مكانا وفضاءا يسع أحساسي. لم أكن متجمدة، لم أكن نسخة من أهلي الذين يخافون من "دخولي في السياسة " لان ذلك معناه عندهم "خروجي عن المجتمع".
وها انا قد خرجت عن المجتمع لدرجة اني أحس باني لا انتمي إليه، أشعر بأني معزولة عنه، لا أستطيع أن أعيشه كما أريد، ولا يستطيع ان يستوعبني. بت أراه أكثر من مجتمع، أكثر من وجه، كل وجه فيه هو تقليد أو إبداع أو لا شيئ.

سلوك
تشير أبحاث عن سلوكيات المجتمع في فلسطين أن الشباب في فترة التسعينات عاشوا حالة من التهميش وابعدوا عن صناعة الاحداث، وبالمقابل فانهم توجهوا الى النهضة بانفسهم كافراد وليس بالنهضة في مجتمعهم بشكل عام. كانت انتفاضة 1987 انتفاضة شباب ارادوا محاربة الاحتلال الاسرائيلي ولكن ايضا محاربة مفاهيم الطبقية والحمولة في مجتمعهم. فلما اجهضت الانتفاضة جنينا مشوها يسمونه "سلام اوسلو"، اجهضت معه احلام كثيرة بالاستقلال.

اذا كنت لا تعرف كيف تحمي من تحب، فكيف ستحب من تحمي؟ اذا كنت لا تستطيع ان تدافع عن حب فكيف ستدافع عن وطن؟ اما اذا كنت خائفا من اب فكيف تحلم بأن تبني مجتمعا اسلاميا الانتماء لله ولرسوله وليس للاب والحمولة؟

لا شيء يجعلنا غير قادرين على التصرف.. الا قرارا اتخذناه فحققناه، بينما تسيل دموع كثيرة في الطريق.

26‏/11‏/2008

عو .. رواية تنتقد علاقة المثقف بالجنرال في العالم العربي

اعجبتني مقولة رافقت الصورة اعلاه:" ورقصت على جثث الاسود كلاب"


تفاجئني روايات الكاتب ابراهيم نصر الله بواقعيتها. قصص تستطيع تشريح الوضع العربي بدقة. انهيت اليوم قراءة رواية "عو". الرواية التي صاحبتني في تنقلاتي الكثيرة في الاونة الاخيرة. تستغربون! نعم اسم الرواية "عو" وفيها الكثير من العواء في الفراغ.
ضحك كل من سمع عن الرواية. قلت لهم انتظروا ففيها ما تعلمون وما لا تعلمون. تتحرك فيها الاحداث بين الخيال والواقع. وبين تهيئات كاتب قصص، اسمه احمد الصافي، الذي أثر بكلماته واسلوبه على اجيال شابة كانت تتعطش للحقيقة الساطعة الناصعة في ظلام الظلم والقهر.
يكتشف احمد الصافي على انه اصبح عكرا لانه شرى نفسه بدراهم معدودة ومنصب رئيس تحرير جريدة تطبل باسم الجنرال. ومن يكون الجنرال هذا؟ انه رجل يعتبر نفسه اله المدينة. رجل يعرف كل شيئ ومستعد لقتل كل شيء من اجل سطوته.
ويشارك في الرواية كل من فتنة، زوجة احمد، وهي فعلا فاتنة الا انها تنام طويلا وبعمق، بينما يتعرى زوجها في الحمام ليكتشف ان جلده قد غطاه الحبر الاسود.
صراع بين الابيض والاسود. وفي النهاية ينتصر الاسود، ويتوحد الصافي-العكر مع كلب الجنرال في مشهد قل ان نجده في روايتنا العربية. ينفلت الكلب من قيده ويركض بعيدا عن الجنرال ليحل مكانه الصافي-العكر.
وفي روايته "طفل اليلة الفائته" يعرض الصافي العلاقة التي يريدها بين المواطن والسلطة. البطل فيها يتحدى التعذيب في التحقيق من اجل هدف سام. سعد، شاب في التاسعة عشر من عمره يلتقط القصة ويريد ان يكون طفل الليلة فيقوم مع شبان غيره بعملية عسكرية ضد معكسر اسرائيلي وتنجح العملية. ويدخل سعد السجن ليعذبه "الانيق"، وهو محقق يهوى العنف والسادية.

تدخل الرواية العالم العربي وتنتقده باسلوب ساخر وجريء وتطرح علاقة المثقف برجل الامن. ومن الممتع جدا الدخول في تفاصيلها لمعرفة كيف يفكر جنرالات العالم العربي وكيف يرون انه لا بد احيانا من نقدهم امام الراي العام من اجل نزاهتهم.

في هذا المقال، اريد فقط ان اطرح الاطار العام للرواية ولا اريد الخوض في التفاصيل، حتى لا يفقد القارئ متعة القراءة.

بالمقارنة مع مسلسل "رسائل الحب والحرب" للكاتبة ريم حنا التي جعلت في النهاية الجنرال السوري بطلا في حرب لبنان 1982 وهي حرب لم يشارك فيها، بل خطف قبل بدءها حتى لا يتحمل مسؤولية الخسارة. فان رواية "عو" تجعل من الجنرال فارا امام الاخر الامريكي والاسرائيلي. فها هو يفكر في كتابة رسالة اعتذار عن العملية العسكرية التي قامت رغما عنه، ويريد لهذه الرسالة ان تفهم من الجانب الاسرائيلي، حيث انه لا يريد حربا لا يستطيعها معه. ويكتشف الجنرال عند محاولته الكتابة انه لا يعرفها، بل ويحسد الصافي على قدرته عليها.

وفي النهاية يصبح الكل في هذه المدينة كلابا يحرسهم جنرالهم. فاي مدينة هذه؟ لكن الرواية تدخل التفاصيل مرة اخرى لتتحدث عن الكتاب الجدد، الجيل الشاب الذي يكتب رغما عن القيود، وفي السجن تكبر مقاومة سعد لانه يقرأ اكثر.

الحب في عصر النت


لا أعرف كيف أبدأ كلامي. أشعر بالمسؤولية تجاه كلماتي التي أكتبها وسأكتبها. فأنا أريد كلاما ليصنع التغيير، ولا أريد حبرا على ورق، لا أريد كلاما مثل زبد البحر، يتلاشى ويختفي مع كل موج.
تربطني علاقة بالكلمة. اشعر بانجذاب لها، كل كلمة اسمعها اتوسم فيها الصدق وكل كلمة اقولها اقصدها صادقة. ويتعبني الكذب والتلاعب بالمصطلحات، حتى مع نفسي فأكره مناوراتها، ولا أزال اصارعها حتى تصارح بكلمة صادقة.
هذه بدايتي من اجل بلورة نوع من العقد مع القارئ. فربما اقول كلاما لا يقنعه ولكني أريده ان يعرف اني اقصد صدقا فيما اقول.

التحدي الكبير
قلت لها: "حتى ولو اختلفنا، فلا بد ان يستمر الحوار بيننا". كانت صديقتي تسمع وفي عينها شرود، خوف من لا مجهول. فتاة في العشرين من عمرها. لا ينقصها عقل، دين ولا علم. فتاة لم تحصل على ما تريد بسهولة.
واليوم وهي على عتبة الزواج تعاني رفض الاهل. اهلها يريدون شابا من عائلة غنية للتباهي فيه. وهي تريد رجلا صاحب دين وموقف. رجلا ذو علم وصدق. هم يريدون لها ان تكنز ذهبا، وهي تريد ان تكنز الحب في قلبها.

تعلو اصواتهم في البيت. الاب يرفس الارض بقدميه ويرفض. الاخوة لا يعرفون كيف يتعاملون مع الموقف. للأب رهبة ورفضه قاطع. والام تروح وتجيء لا تعرف كيف تصنع. منذ زمن بعيد يئست من قدرتها على اقناعه. والفتاة تجلس في غرفتها، تذرف دموعا لا نهاية لها. وعند الفجر صلت وطلبت من الله العون قبل ان تسلم عينيها لنوم متقطع.

ساد صمت طويل... شعرت بحزنها. اردت ان افعل اي شيئ حتى تضحك. صراع الاجيال هذا لن يحله البكاء. قلت لها ضاحكة: عليك التعبير عن احتجاجك على رفض ابيك القطعي. نعم احتجي. علقي لافتات في كل مكان يذهب اليه. مثلا عند المرآة التي يحلق عندها ذقنه اكتبي: لا عودة عن حقي رقم 15478. التفتت الي مستغربة: وماذا يعني ذلك. قلت لها: هذا رقم حقك في اختيار شريك الحياة. ضحكت. تشجعت وقلت لها: اما عند تناول الفطور فعلقي على نفسك لافته: لا تراجع عن مبدأ 17889
وهذا يعني مبدأ الانسحاب عن القرارات الابوية الفردية. اما اعلان رقم 0001 فهو يقضي بالمشاركة في صنع القرار بين الاب وابنته قبل اتخاذه القرار... واخذنا نعد قرارات وحقوق ومنها: قرار 8 يقضي على حق الفتاة في التعرف على الشاب الذي ينوي خطبتها.. قبل ان تقع الفأس في الراس كما يقول المثل الشعبي. وحق 100001 الذي ينص على احترام رأي البنت. وكنا نعد القرارات ونضحك معا ونقول: "قلبي.. قلبي" ويعني ردة فعل الاب عندما يسمع بهذه المظاهرات في عقر بيته!!!

ولكن الضحك لا يدوم.. فاعقبته موجات من بكاء وشعور بالقهر. يعني البنت تريد التعرف على الشاب الذي تقدم لخطبتها وهي ترى فيه مواصفات الشاب المناسب لها. والاب، كما في الافلام العربي، يقف عثرة ويضع الشوك، وفي نهاية الفيلم طبعا ينتصر الحب!!
"ان شاء الله نصل الى ال happy End قريبا. ولكن عليك ان تحاوري اهلك": صرّحت مثل مستشارة نفسية في بداية الطريق.

جيل النت وجيل ما قبل الفاكس
عندما كنت مع ابي في مشفى صفد في رمضان الماضي. وبينما نحن ننظر الى الافق البعيد ونشم هواءا رائعا. كان ابي يقول لي: انتم جيل الانترنت. انتم الجيل القادم. صحيح اني لا اعرف شيئا عن الحاسوب ولكني أرى تأثير هذا العالم الجديد عليكم. ربما انتهي دورنا، والبركة فيكم.
ابي قد تجاوز الستين، شعرت بغصة وهو يتحدث عن انتهاء دوره، لملمت حزني وقلت: بل على العكس، لم ينته دوركم، نحن نريدكم معنا، لتدعمونا ونحن نعبر هذا العالم باحلامنا وافكارنا.

منذ سنوات ليست ببعيدة، حوالي 60 سنة واكثر، آمن اباؤنا واجدادنا بافكار ثورية مثل: الشيوعية، القومية العربية والوحدة العربية، احياء الاسلام السياسي مرورا بالراسمالية وانا وبعدي الطوفان. ولا بد ان يكون كل اب قد عاش لحظات او ايام التمرد على الجيل الذي سبقه. هل تذكرون ذلك ايها الاباء؟ وكيف اشعلت السيجارة الاولى وانتم "تشربونها" متخفين غضب اهليكم لانهم اعتبروها تمردا!!
واليوم، يعيش الجيل الشاب عصر العولمة والانترنت. ويمكن ان يطلق عليه جيل النت. ليس فقط لانه يعرف استعمال الحاسوب، بل لانه انكشف الى عالم جديد، للاسف لا يعرفه الكثير من الآباء والامهات. ومن معالم العالم الجديد هو الانفتاح على ثقافات، افكار وحدود لا يعرفها آباء العالم القديم.
الانفتاح يمكن ان يكون سلبيا لمن اراد ان يستعمله في الجوانب السلبية، ويمكن ان يكون ايجابيا في تطوير الذات والمدارك. وعلى الحالتين جيل اليوم يختلف. وفي العالم الجديد ينمو جيل مسلم يعرف حدود الله ولكنه يحاول اكتشاف الجيل الجديد ويتأقلم مع القيم الجديدة الي يقدمها له.

لنبدأ بالحوار الآن
هذه ليست مقدمة في علم اجتماع النت. ولكنها اشارة الاباء والابناء حتى يعرفوا ان الفجوة اليوم بين الاجيال هي اكبر مما كانت عليه سابقا. ويمكن ان تؤدي الى تمزيق الاسرة المسلمة. ولذلك لا مجال اليوم للتعصب بالرأي، بل الحوار هو الوسيلة التي تجسر على الاختلاف.
وبالنسبة اليك صديقتي المتعبة من رفض اهلك، لا عليك. ان كان شريكك في القرار معك، فيمكن ان تخوضوا الحوار معا من اجل اقناع الوالد. وفي هذه اللحظة يصلني اقتراح: ادخال الكبار في الموضوع. وما العمل اذا كان الكبار لا يفهمون الا من الكبار!!!

21‏/11‏/2008

نور في كثير من الظلمة


نورحبيبتي... أنت تغيرين حياتي في هذه اللحظات. ربما انت لا تعلمين، وربما لن تعرفي كيف تمتلأ عيناك بكل الحزن وانت تنظرين وكيف تخرج تنهيدة من اعماقك قوية عاصفة وحزينة. انت لا تعرفين كيف تتحول كل حركة منك الى انهار من دمع تجري في قلبي. آآآآه.. كيف يحدث كل هذا لطفلة لم تبلغ الاربع سنين.

نور طفلة ليست ككل الاطفال. طفلة تعاني. طفلة بالكاد تتحدث. صوتها يخرج مبحوحا. واذا ضحكت نور، لا صوت لضحكتها. ابتسامتها الجميلة مثل وردة تتفتح. وحزنها تقطبية غريبة ما بين الجفون، تثير في من يراها اعاصير من حزن لا مدى لها.

نور طفلة ولدت لإمرأة مطلقة حرمت من أطفالها، وتزوجت حتى لا تأكلها أعين الناس في مجتمع لا يرحم. وبدلا من أن تمنح الطفلة الصغيرة الحنان، فإنها تضربها لانها بنت. الأم تزج بكل غضبها على حياتها في لكمات للطفلة وباقي اخوانها. احدهم شكى من محاولة امه خنقه في موجة غضب. والاب رجل مطلق ايضا، فشل في حياته الزوجية السابقة، وهو يتمسح في نساءه مثل قطة. قطة شاخت وتبحث عن بيت.

وفجأة وبدون سابق انذار اجد نور أمامي، تبكي فجأة وتضحك فجأة. الاعبها وقلبي يمتلئ بالحزن. لك الله يا نور. انت قوية وستتغلبين على الحزن ان شاء الله. سمعنا معا قصة ورسمت خطوطا يا نور متداخلة مثل تشابك حياتك، ولكنك اخترت الالوان البهيجة. ليت حياتك تكون سعيدة.

نور...اعرف انك تشعرين الان بالسعادة وانت تتناولين وجبة العشاء الدافئة وربما ستذهبين الى النوم بعد لحظات وانت تحلمين بالوقت الجميل الذي عشته اليوم. ولكن غدا ستصحين على واقعك.
وللاسف انا لن اكون معك. ولكن الله معك. يا رب لا تذرها وحيدة بائسة. ربي كن معها ومع كل اشقياء هذا العالم الذين فقدوا الحنان في طفولتهم وسيبحثون عنه حتى رحيلهم الى قبورهم.


تعدد النساء في البيوت وغيابهن عن صفحات التاريخ

البارحة سألتني الصحافية البريطانية عن زواج الرجل المسلم من اربع نساء. فتحت القران الكريم وقرات لها الايات الاربع الاولى من سورة النساء. وقلت لها ان الزواج من اربع جاء ليحمي النساء وليس ليظلمهن. حيث يضمن اطارا حلالا للمرأة حتى تمارس علاقة شرعية مع الرجل حتى ولو كانت الثانية او الثالثة او الرابعة، فهذا افضل من لا شيء. كما ان على الرجل ان يعدل بين نساءه، فإن عجز فعليه ان يكتفي بواحدة. كما ان الزواج المتعدد يمكن ان يحل مشاكل زوجية في حالة ان الطرفين لا يزالان يريدان البقاء على اطار الزواج. قلت كل هذا وكانت الصحافية صامتة. لم أسالها عن مدى قناعتها فيما قلت (ربما وجب عليّ ذلك) ودخلنا في موضوع اخر.

وعندما حدثت احدى صديقاتي بالامر، نظرت اليّ نظرة فهمت منها أنها لا توافقني الرأي وأضافت: هذه نظرية فقط، انت لا تعرفين ماذا يعني ان يهجر رجل امرأته الى أخرى.

سألت نفسي: كيف كانت تعيش نساء القرون الماضية ضمن اطار التعدد. وبما ان هذا الموضوع لم يطرح سابقا، فأنا لا اعرف اين يمكن ان اجد اجابتي. هل في كتب التاريخ مثلا؟ هل في مقدمة ابن خلدون سأجد شيئا عن حياة المسلمات اليومية؟
في تاريخنا مسحت نساء كثيرات عن خارطة الأحداث. كتب التاريخ رجال ظنوا ان وجود النساء مفهوم ضمنا. ولكننا اليوم ندفع ثمن هذا الخطأ. نريد نساءا في كتب التاريخ، ليس لأني "نسوية" وضد الرجال. ولكن تجارب النساء وحياتهن هام جدا في صنع الحاضر والمستقبل. نريد نساءا ليكونوا الهاما لنا في صنع الحاضر الذي منه ننطلق الى المستقبل القريب والبعيد.
ليس هذا خطابا سياسيا او اجتماعيا... انه حاجة ماسة.

20‏/11‏/2008

ماركس وفرعون وما بينهما

للاسف تحول الكثير من المسلمين الى ببغاوات. فان نعقت بوم في الغرب نعقوا لها، بلا تفكر ولا تدبر. وهذا يدل على مدى الانتكاسة النفسية والحضارية التي وصلها المسلمون اليوم والاحباط الذي قلب حياتهم وافكارهم. ولكن هذا لا يعفينا من قراءة الابحاث والنظريات العلمية وايجاد نقاط الالتقاء مع الاسلام وايضا الاختلاف معه.

اسير محرر وأمة في قيد
قصة تحدث في زنزانة بين اسير واسير. الاول يرى الاسلام نهجا وحياة والاخر يراه رجعية ويعيش عبثية لم تخلق له. وفي ذات الوقت يحتمي بحجاب امراة من اجل الحفاظ على نفسه. وكون الاسيران فلسطينيان، فان الاسير الماركسي يريد ان تكون زوجه محجبة للحفاظ على عرضه.
لست داعية ولكنى اظن ان الدعوة الى الاسلام يمكن ان تكون من عدة ابواب.. احدها ابراز كيفية تماشي الاسلام مع الفطرة وليس عكسها في كثير من القيم والسلوك. وليس عيبا ابراز نقاط التشابه مع الحضارات الاخرى لتوضيح ان الاسلام دين عالمي للبشرية اجمع ويتلائم مع طباعهم.

ماركس وفرعون وما بينهما
لا اتفق مع المتصورين ان علينا ان نهمل كتب لينين وماركس ونقول لا حاجة لنا بهم وبامثالهم. الاولى ان نقرا ونحلل هذه الكتب فما وجدنا من افكار تدعم فكر الاسلام اخذناها وبحثنا في نقاط الضعف وعززناها بالاسلام. فالاسلام برايي ليس مرحلة خارج التاريخ والمجتمع الانساني بل هو داخل هذا الاطار.مثلا: ماركس يتحدث عن الاستغلال الطبقي في مراحل الانتاج المختلفة.
والقران ايضا يكشف هذا الاستغلال.. أليست قصة فرعون مع بني اسرائيل واستضعافه لهم دليل على ذلك؟ الم تكن الامم السالفة تستضعف الناس، وكان فئة المترفين تحاول صد الناس عن دين الانبياء والرسل؟ ماركس يقول ان الاغنياء كانوا يستعملون رجال الدين من اجل ايهام الناس وتضليلهم ومن هذا المنطلق يجب انكار الذات الالهية واعتبارها بدعة او اختلاق من هذه الفئة حتى تسود. وهذا فعلا ما حدث، فالفئة المترفة او اصحاب البطش خلقوا الها اخر طلبوا من الناس عبادته، والله في كتابه العزيز يكشف انحرافهم عن الدين القويم.

مثلا: فرعون قال لاهل مصر انه الههم وبهر اعين الناس بالسحرة وخوفوهم بجنود هامان ومخابراته. فالاسلام في هذه النقطة لا يخالف هذه النظرة: نعم هناك بدع من الفئات المترفة، ولكن الحل الاسلامي ليس بانكار الذات الالهية بل بالعودة الى الله العزيز الحكيم الواحد في جميع المجتمعات البشرية. ولا ننسى في هذا السياق ان اوروبا عاشت قرونا مظلمة كان التحالف بين رجال الدين والاقطاعيين والملكيين من اجل استفاذ اموال الفقراء واذلالهم.

ومن الطبيعي ان من عاش هذه الفترة الطويلة من الزمن تحت القهر ولا يعرف بديلا مثل الاسلام، يهيئ له ان رجال الدين هم الله ولذلك يجب الغاؤهم. ماركس كان يقول يجب انكار الذات الالهية وان جماهير العمال يجب ان تسيطر على الانتاج ويريد ان يطبق المساواة من خلال تأميم الاموال والغاء الملكية الفردية.
وحاولت الشيوعية منذ الثورة البلشفية في بداية القرن ال 20 ان تلغي الملكية الفردية، ولكن الذي حصل ان البلاد سقطت في الفساد بمرور الوقت وفشل هذا المشروع.
واليوم يؤمن الكثيرون بالسوق الحر وبالفردية والراسمالية، بل ويتخيلون ان تحويل السوق الاقتصادي الى ساحة وغى ياكل القوي فيها الضعيف هو الحل الاقتصادي الامثل. وهذا الفكر طبعا لن يدوم. لانه من غير الممكن ان تستمر الدولة في انكار حقوق الضعفاء فيها وعدم حمايتهم من طمع الاغنياء واصحاب رؤوس المال.

الثورة التي لم تأت بعد.. ولكنها في الطريق
سياتي اليوم الذي سيثور فيه الضعفاء والمهاجرون في الدول الصناعية وغيرها على اسيادهم. وما هي الازمة الاقتصادية التي تشهدها امريكا اليوم الا بداية نهاية النظام الراسمالي.
اما الاسلام فهو وسط، وهو يحدد معايير الملكية العامة والملكية الفردية ولا يلغي احدهما على حساب الاخر.
وانت لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.

تابعوا مقالة عمي ابو داهود على الرابط:

19‏/11‏/2008

اريد نيلا الآن


اريد النيل الآن. نيل يجرف احساسي. نيل تغرق فيه عيناي. لا اعرف ما الذي حدث لي ولكني اريد نيلا كاملا بلا نقصان حتى استطيع الاستمرار.

بدأ العد التنازلي..... الايام تركض وانا اريد انهاء هذا البحث. احتاج الى كل طاقة ممكنة من اجل عصر الافكار في ذهني.
لا احب الجمل المبهمة، ولا اريد افكارا ركيكة معادة.


قالت لي: هل يمكن ان تتنازلي عن فكرة؟
اجبتها: انا مستعدة لان اقاتل من اجل فكر سليم. اما الكلمات فاني مستعدة للتفاوض عليها.
قالت: اريد ان اكتب قصيدة.


في سيارة الاجرة التي قادتني الى جامعة تل ابيب، كان السائق اليهودي المتدين يتحدث عن انحطاط المجتمع اليهودي ويقارنه بالمجتمع العربي في عاداته وتقاليده. يريد ان يقول ان العرب محظوظون بالحفاظ على حدودهم بينما يتفشى الانحطاط والتسيب بين شباب وشابات اسرائيل بلا حياء. ويضيف بان حيا متدينا مثل بني براك يرفض ان يحادث شاب غير متدين فتاة متدينة وقد يتعرض للضرب من شباب الحي. وان نساءا متدينات يهوديات يعملن في مجال صناعة الحواسيب، دون اختلاط مع الرجال، وتحت رقابة رجال الدين.


تتسائل فتاة بريطانية حول امكانية قيام دولتين اسرائيل وفلسطين معا. وتجيب ذاتها: لا يمكن.. مستحيل... هذا البلد مجنون..

وفي قرية فلسطينية منسية حيث تحيطها المستوطنات من كل جهةا، تطالب عايشة بحرية المرأة: "لتخرج النساء الى العمل.. لتتحرك النساء بدون عيون المجتمع". عايشة تعيل اسرتها المكونة من عشرة انفار، تساهم في تعليم اخوتها واخواتها في الجامعة وتشعر بالغربة في مجتمع تضطهد فيه النساء النساء. عايشة لا تشعر بالرضى على تضحيتها من اجل اخواتها واخوتها وتقول: لا يوجد تقدير. عندما تساعدين شخصا ما فانه يكبر على حسابك. هو يتطور وانت تبقين في مكانك. وتشعرين بالاحباط.
وتضحك عايشة عندما تتكلم عن غيرة بقية الفتيات في الحي منها وهي تخرج للعمل. تشعر بالزهو. ولكن هذا لا يكفي، بينما هي تعبر الثلاثين من عمرها بلا زوج.

تصلني عشرات الايملات عن اعتقالات وضرب واعتداءات من امن السلطة لمن يعتبرونهم اعدائهم وهم اخوانهم. عشرات الصيحات تخرج من الافواه المكممة والخائفة من مصير مجهول. اما آن للقيد ان ينكسر!

اريد نيلا غزيرا يثبت معجزة رب السماء وقدرته على كل من تصور له نفسه انه اله لا يحاسب نفسه ولا يحاسب.

15‏/11‏/2008

افكار حول رواية شرفة في قفص



شرفة في قفص للكاتب الفلسطيني محمد القيسي. انها الرواية الاولى التي أقراها له. ولم اكن قبلها اعرف بوجوده. القيسي عاش طويلا في المنفى بعيدا عن الوطن، ولما جاءت اتفاقيات اوسلو في منتصف التسعينات من القرن الماضي (باختصار قبل حوالي 15 سنة) عاد الى الضفة وغزة محملا بالامل، تاركا حبا متقدا لامرأة سكنته وكان اسمها صفية.
احب القيسي غزة اكثر من رام الله وجاب في طرقاتها على الرغم من حرارتها. وعند بحرها شعر بالضيق وقال: حاربنا من اجل بحر فاذا بنا نقف عند قطرة ماء. البحر المحاصر والبيت المحاصر حوّل فلسطين الى قفص، يطل عليه القيسي من شرفته.

الرواية عبارة عن سيرة ذاتية ومحطات في حياة الكاتب توزعت بين لندن، تونس، بيروت، عمان، غزة ورام الله. في كل مكان يقذف الكاتب شذرات من حياته الماضية والحالية. لم تطأ احلامه المستقبل ابدا، انما استعادت ما كان منه.
ربما لان الكاتب كان على فراش الموت في عمان وهو ينهي روايته، فلم يستطع ان ينتقل الى ما بعد موته. كانت الرواية وكانها شريط لحياته قبل ان يغمض عينيه.
وعلى الرغم من انه يكثر من الحديث عن لحظات الحب وانه كان يجد في كل مدينة امراة ليحبها، ومع انه افرد صفحات من ذاكرته وحياته لصفية والخمر، الا انه لم يعبّر عن ندم ابدا لانه ترك عائلته واولاده.
زوجته ظهرت كلمح بصر، في جملة عابرة عندما كانت الى جانبه في المشفى. وامه لاجئة من قرية قرب اللد تظهر لتختفي دون ان تقول شيئا. واما لحظات الحب التي فاتته مع نساءه فقد كان ينفق عليها ندما كثيرا.

السيرة الذاتية في عالم ما بعد الحداثة
في ايامنا هذه والتي يطلقون عليها في الغرب "ما بعد الحداثة" ويميزونها عن غيرها بكون الفرد اصبح في مركزالكون، حيث يحق له ان يقول ما شاء وان يفعل ما شاء في اطارالحرية الشخصية. فلا وجود لحقيقة واحدة للكون واصبح العالم عبارة عن روايات تتنافس فيما بينها، فلا يوجد خطأ ولا صواب، غنما رأي يباع ويشترى، فإذا اشتراه الناس كان هذا دليلا عن صحته.

وفي اطار ما بعد الحداثة يمكن ان يقال ان رواية القيسي هي حياته وهو حر فيها، وهو يعرفها اكثر من غيره. فلا صحيح ولا خطأ، بل إنها شجاعة منه في سرد حياته الشخصية ومواقفه. نعم يمكن ان يقال هذا... ولكن هل هذا ما يريده المجتمع العربي والاسلامي اليوم؟ هل حاجتنا الى مثل هذه الافكار؟
واني استغرب كثيرا من الكتاب العرب، وكيف لا يعرفون الحديث في قضايا الساعة بدون كاس من الخمر، وخاصة كتاب السعودية الذين يفصلون اسماء الخمور، فلا يحلو الحديث وجو الاكتئاب بدون كاس من خمر او بكاء على حبيبة فقدت في الطريق.
يعني يمكن القول بان هذه هي الواقعية واننا شئنا ام أبينا متأثرون بالغرب وبافلامه ورواياته. ولكن السؤال هل هذه هي حقيقتنا نحن؟ هل هذه شخصيتنا؟ وهل هذه هي الحقيقة التي تريد ان نقولها لانفسنا قبل ان نموت وللاجيال القادمة؟
شرب العرب الخمر في التاريخ، ولكنهم لم يكتبوا سيرتهم الذاتية وفي يدهم كاس من خمر. فكما ان الخمر في الواقع تذهب بصفاء الذهن وتشل تفكيره، فهي ايضا في الرواية تحول دون اي نوع من النقد الذاتي، وتهيئ للكاتب ان لا فرق يين الخطأ والصواب.

عري وحقيقة
من يريد الحديث عن الحقيقة وان كانت الحقيقة الشخصية او الفردية في عالم ما بعد الحداثة، عليه ان يتناول حقيقة وجوده وان يخلع الشخصيات المستعارة من ثقافة الغرب او ثقافة الدونية التي تشكل حيزا من الثقافة العربية اليوم.
فمجرد خلع تأثير الآخر عليه، فإنه وفي عريه هذا اقرب الى الحقيقة ولن يستحي ان يقولها ابدا.

نحن اليوم بحاجة الى ان نكون صادقين مع الله لنكون صادقين مع انفسنا والناس. في عالم ما بعد الحداثة لن ينقذنا من فتات الافكار وكثرتها سوى الصدق. وساعتها سنطل ليس على قفص صغير بل على العالم اجمع.




12‏/11‏/2008

هجين هومي بابا

في الصورة هجين من النمر والاسد.

هومي بابا يتعبني. أقرا له كتابه المعروف "موقع الثقافة". يقولون كتابه صعب. واقول نعم صعب وهو يتلاعب بالمفاهيم والمصطلحات كما يحلو له. وفي رده على هذه التهمة يقول بابا ان الناس يتهمون الانسان الجدي بعدم الوضوح. ربما كان صادقا. ربما علينا ان نكون جديين حتى نسبر اغواره. ولكن كيف السبيل الى ذلك؟ وكتابه يحتوى على عشرات النماذج من الروايات والادبيات والتي يعتمدها كمصدر اولي. وفي هذه الطريقة يسيطر على القارئ ويحدد مسار تفكيره. اشعر بالعجر في هذه اللحظات امام كتابه، بينما تجذبني فكرته المركزية والتي تعبر الحواجز بين الأنا والآخر، وتحوّل كلا منهما الى هجين من الثقافات. فلا أنا نقي الهوية ولا الآخر نقي الهوية كذلك. ويتابع بابا: ويكون الابداع في المناطق والتخوم التي تلتقي فيها الثقافات وليس بالضرورة من اجل ان تتصالح، بل أيضا من خلال تصارعها.

أبحث عن أنا وعن هذا الهجين الذي يشكل هويتي. اريد ان اكون واضحة واريد ان ارى العالم من حولي. لم ازل في الفصل الاول والذي يتحدث عن موقع الثقافة وهذا الكتاب يستفزني. اشعر بالتحدي وانا ارى بابا يقلب الحياة وكانها نص قابل للتأويل والتفسير. تعلمت منه كيف انه علينا ان نقرأ كل شيء، كل شيئ وان نصطاد مما حولنا الافكار والايحاءات.

في مركز للفطام من المخدرات، التقيت بها، شابة في ال 26 من عمرها، رياضية جميلة وفيها جرأة قلما توجد في بنات جيلها. إنها سكرتيرة بديلة. كنا نخلط اللغة العربية بالعبرية حتى نتفاهم. لم يكن ادخال الكلمات العبرية في المحادثة بين فتاتين عربيتين امرا مستهجنا، لان المعظم يفعلون ذلك. ولكني في وقتها شعرت بالغربة عن هويتي ولغتي. كنا نمثل هجينا من ثقافتين في صراع، صهيونية غربية وفلسطينية اسلامية. ولكننا وفي هذا الهجين كنا نحاور أنفسنا بلغة الاخر. فهل كنا نحن؟ أم غيرنا؟ وما هي طبيعة هجيننا هذا؟

الغضب الساطع آت...
البارحة التقيت مع صحافية ألمانية، كان شيئا غير طبيعي لم استوضحه من بداية الحديث. قالت لي قبل ان تهم بالجلوس: الا تشعرين بالحر؟ وتقصد ان كان حجابي يضايقني ويكبت نفسي في الحر الذي تشعر به. قلت لها ببرود: لا.
تحدثت ليندا عن حالها وكيف انها تعيش في المجتمع الاسرائيلي ما يقارب ال 17 سنة، وانها تتعجب من الاسرائيليين الذين لا يرون ابعد من انوفهم وخاصة في مدينة مثل القدس. قالت لي انها ارادت ان تدخل الحمام في احد الحواجز الاسرائيلية. فطلبت من مجندة ان تدلها عليه. فسالتها المجندة: هل انت اسرائيلية؟ فاستهجنت ليندا سؤالها واجابت: هل يعني هذا شيئا؟ وهل هناك فرق بين خراء الاسرائيليين وغيرهم؟
وفجأة ومن دون سابق انذار اعلنت ليندا لي على انها مثلية، وانها تستطيع تفهم المثليين الفلسطينيين والفلسطينيات وكيف انهم يعيشون الغربة، حيث يطردون من هويتهم الجنسية ومن مكانهم في مجتمعهم ويضطرون للعيش في بلاد عدوهم.
تشعر ليندا بالغضب والقهر لانه في المانيا بالذات لا انتقاد لسياسة اسرائيل، حيث ان كل انتقاد يعتبر ضد السامية. وهذا كم افواه لا تستطيعه. ليندا تريد ان تكتب كتابا وان تنشره ان وجد الناشر من اجل ان تعرض صورة اسرائيل الخفية.
غضب ومثلية ثنائي يترادف دائما. ويؤكد نظرتي الى ان المثلية نوع من الاحتجاج عن النظام الاجتماعي والسياسي وتعبير عن الرفض لكل ما هو متعارف عليه، اكثر منه انجذاب جنسي.
وليست هذه المرة الاولى التي تعلن فيها بعض النساء امامي عن مثليتهن. واتسائل: لماذا يجب ان اعلم عن هويتها الجنسية؟ لماذا يجب التصريح بذلك؟ هل تريد مني شرعية لوجودها؟
لهن دائما اقول: المثلية طريق للاجتجاج والتعبير عن الرفض ولكنه ليس الطريق السليم. لانه يناقض الطبيعة والفطرة. فابحثوا لكن عن طريق اخرى، حتى لا تؤذوا انفسكن اكثر.

هومي بابا، ربما ساكتب يوما مثلك. سأقرا كما تقرأ. وسأبحث عن طريقي وسط زحام الكلمات والمصطلحات.

09‏/11‏/2008

قالت فاطمة: استحوا


اشتقت للكتابة بعد بعض أيام من غياب. اشتقت لذرف هذه الافكار التي تجتاحني وانا اعيش الحياة. اردت الحديث عن مواقف غريبة مرت بي مؤخرا، وكنت أوجل الحديث بدعوى ان الافكار والاحاسيس لم تنضج بعد.
ربما جاء الوقت حتى ارمي حملي حتى استطيع الاستمرار.



طريق الآلام
لا يعرف معنى الحواجز العسكرية إلا من يمرها ويعيشها يوميا. لا يعرف الذل إلا من عاشه. يقترن معنى الذل بالتواجد والاحتجاز على هذه الحواجز التي تمتهن الكرامة.


هذه جندية بدينة تهين وتصرخ بينما يعبر الفلسطينيون "المعّاطة"، لتشبيه الابواب الحديدية التي تعبر في حاجز قلنديا وغيره من الحواجز، ومن خلالها يعبر ثلاثة اشخاص فقط في كل دور. ترفع صوتها بلا داعي وتتعامل مع الموجودين وكانهم حيوانات.
واليوم كانت طريق الالام اطول حيث احتشدت الجموع بانتظار اشارة لفتح البوابة. وبينما كنا ننتظر بين جدران الحديد حيث تغطينا شبكة من الحديد، وكاننا في سجن، بكى طفل. وبكاؤة كان مزيجا من مرض وخوف وحزن. بكاؤه اسبه بمواء قطة متعبة. بينما امه كانت مشغوله بالحفاظ على دورها. وهو كان يبكي وينظر من شباك الحديد. وكان قلبي يبكي معه.

الحاجز
يسمى حاجز قلنديا الفاصل بين رام الله والقدس "معبرا"، وللاسف الشديد استبدل اهل البلد تعبير الحاجز بالمعبر، متبنيين مصطلح المحتل. ويمكن ان يكون الحاجز بالنسبة لهم "معبرا" لانهم يستطيعون المرور من خلاله لانهم يمتلكون شهادة الإقامة. وبالنسبة لإخوانهم الذين لا يمتلكون تصاريح الدخول فهذا حاجز، يمنعهم من الوصول الى مدينتهم ومسجدهم الأقصى. يمنعهم من الوصول الى عائلاتهم في الجانب الاخر والى المشافي وغيرها من امور الحياة التي ترتبط بها القدس.

ولست اريد ان أميّز بين اهل القدس والضفة وغزة وان اصنفهم حسب درجة معاناتهم ولا اريد ان اقول من اكثر ضحية ممن. لان هذا في الواقع غير مهم، للجميع همومه، ولكن الواقع الذي يخلقه الاحتلال يفرض تقسيم الشعب الواحد الى كنتونات او غيتوات كل واحد فيها يتمتع بصفات لا تنطبق على الاخر. فاهل غزة اصبحوا من المغضوب عليهم، والمغلق عليهم ولا حديث معهم. واهل القدس يستطيعون التنقل بين مدن الضفة والتواجد داخل الخط الاخضر، واهل الضفة لا يستطيعون التحرك بين مدنهم في الضفة ولا التواصل مع غزة ولا القدس ولا الداخل. اما اهل الداخل الفلسطيني فهم يستطيعون التنقل في داخل الخط الاخضر، القدس وبعض مدن الضفة.

كيف نعبر الحاجز؟
وفي هذا السياق يمكن ان يقال الكثير من الكلام ولكنى اريد التاكيد على بعض الامور. اهمها: كيف نتعامل مع الواقع الموجود؟ نحن كفلسطينيين. كيف نقنع انفسنا بالتماشي معه؟ كيف نعبر الحواجز النفسية التي يصنعها الاحتلال الاسرائيلي من خلال تقسيم فلسطين ون خلال تقييد حرية الحركة؟
نحن بدأنا، ويمكن القول منذ الهزيمة في 1948 بخلق درج اجتماعي. كل فئة ترى نفسها على قمر هذا الدرج بينما الفئات الاخرى تندرج تحتها. بما أننا لا نستطيع ان نواجه المحتل، علينا ان نجد سلما لنشعر بأننا الافضل بالنسبة لمن نعتبرهم دوننا.

وحتى لا اكون تجريدية، ساضرب مثلا من الواقع، يقال في رام الله ان "فلسطينيي 48" يفقدون احترامهم عندما ياتون اسواق المدينة، فهم يتحدثون بصوت عال دائما، ويقارنون دائما السوق بالاسواق التي خبروها في اسرائيل، ويأنفون من المحليين، على اعتبار أنهم يأتون من حضارة متقدمة ويرون أهل الضفة الغربية بعين الأقل حضارة.
ويمكن القول بأن هذه التصرفات، وللاسف الشديد موجودة، وشعور الفلسطينيين في رام الله وغيرها من المدن، ليس شعورا بالدونية أمام اصحاب الهويات الاسرائيلية من الفلسطينيين. والسؤال لماذا يتصرف اخواني واخواتي بهذه الطريقة؟ طبعا الحديث ليس عن الجميع ولكن عن فئة تظهر بسبب سلوكها الفظ، ونحن في مجتمعاتنا العربية نضخم الشين ونقزّم الزين. ومع ذلك لا يمكن ان نتجاهل هذه الظاهرة.
اسباب عديدة لذلم احدها هو: تأثير الثقافة الاسرائيلية في هذا الجانب، فالسواح الاسرائيليون معروفون بوقاحتهم عندما يسافرون وهم يعتبرون البلاد حكرا لهم. فهم يبالغون في الصراخ والسب والتعامل بعنجهية مع ابناء البلاد التي يسافرون اليها. وللاسف هناك من الفلسطينيين من تبنوا هذه التصرفات معتبرين اياها نوعا من الحضارة!! وهذا فعل الضعفاء، فهم يتبنون ثقافة القوي حتى يشعروا بالامان والقوة.
قالت لي فاطمة: قولي لهم "توقفوا"...