27‏/01‏/2012

في الروضة من جديد


حاولت أن أكتب ولكن الكلمات كما دائما تتجمد بين مساماتي، ترفض أن تنطلق حرّة عبر فضاء الكتابة. في كل مرة أكتب فيها أكتشف نوعا مختلفا غير مفهوم ضمنا بيني وبين كلماتي. تصبح كلماتي مع الوقت مثل رداء أحتار متى أخلعه وأكشف عمّا يعتريني.
كنت أريد أن أكون شجاعة، قوية وقادرة على إطلاق كلماتي على جميع المستويات وخاصة الشخصية منها، ولكنيّ أكتشف كم هو ثقيل هذا الرداء الذي أضعه عليّ، وكم هو قادر على حمايتي في الوقت ذاته.

من السهل على شهرزاد أن تخوض في معاناة الآخرين، يعكس الآخرون لها تجاربها وألمها وسعادتها. هناك في إحدى روضات الأطفال يتعلق كرم، طفل في الرابعة في رداءها، يشدّه يبحث عن حوار مع هذه المعلمة الجديدة، التي تتفاعل بصمت مع الأطفال. كرم يريد أن يحكي حكايته الصغيرة، يريد إهتماما منها بعد أن فقد إهتمام المربيات به.
تقول مربية الروضة: إنه طفل غير عادي، كثير الضجة ويحب الكلام. يريد أن يكون في مركز الأحداث ولو كان ذلك على حساب الأطفال الآخرين. وظيفة المربية هي أن تضع الحدود، وكرم على الرغم من صغر سنه، فهو يعلم بأحساسيه متى يقبله الآخرون ومتى يرفضونه.
أراقبه من بعيد، ها هي مربيته تصده حتى لا يأخذ مساحة زملاءه، وكيف يتعامل كرم مع الموضوع؟
يذهب إلى زاوية الألعاب ويختار إحدى اللعب، دمعة على خدّه لا يمسحها، وفي يده الأخرى دمية يلعب بها.

يلعب الأطفال في كل مكان في هذه الروضة التيّ عليّ بحكم وظيفتي أن أراقب طريقة التربية فيها، أتسائل بيني وبين نفسي: ألهذا تريد المرأة أن تكون أمّا؟
أتريد المرأة أن تكون أمّا حتى تعطي إهتماما للأطفال، وكم هو جميل هذا الشعور، أن تحتضن أم طفلا مثل كرم وتسمع لحكاياته التي لا تنتهي وتجيب عن أسئلته التي تدور حول الحياة وفيها وبين سطورها.

تأت إليّ إحدى المتدربات في الروضة تسألني: كيف أجيب وكيف أتصرف؟ فهناك طفلة مصرّة على أن الله لا يراها وأنه بلا فم، وانه لا داع لأن نكره الشيطان. أقول لها: حاوريها، أجيبيها عن كل تساؤلاتها. إحكي لها قصة الشيطان وكيف رفض أن يطيع الله وأنه عدو مبين للإنسان... وأن الله في كل مكان يرى وأنه حقا بلا فم كأفواه البشر.
تقول المتدربة: لا أستطيع، فالطفلة لن تفهم ما أقوله.
أجيبها: لو كانت لن تفهم الإجابة لما وعت طرح الأسئلة... إن من يصل إلى درجة طرح السؤال فإنه قادر على إستيعاب الإجابة.

في هذه الروضة، كل شيء فيّ يتحرك، مشاعري وأفكاري تجاه عالم الطفولة والإكتشافات الجديدة والقديمة لمعنى الحياة والأمومة والطفولة وأيضا الخوف.

تكتب إحدى المتدربات قصة عن حلم لطفل، يدخل غابة مخيفة يسمع فيها أصوات مخيفة للحيوانات المفترسة مثل الأسد والنمر. ولكن صهيل الحصان ونباح الكلب الأليف يشعره بالطمئنينة، ويعيدانه إلى حضن بيته ليفيق ويكتشف أنه في حلم قد انتهي.
قصة مثيرة للإهتمام، ولكن هل على الخوف أن يرتبط بالحلم؟
تجيبني المربية: الخوف موجود لدى كل الأطفال، وهم حتى يمكن أن يعبّروا عنه من خلال أشياء لا يعرفونها بالتحديد، مثل الحيوانات ولكنهم يتقبلون المعايير الإجتماعية التي صنّفتها كشريرة أو أليفة.
أتسائل مجددا: يظهر الخوف في الحلم، ما هي رسالة المربيّة للطفل؟ أهي أظهر خوفك في أحلامك؟؟
لا أجد لهذا إجابة.

أعود إلى طفولتي بين هؤلاء الأطفال، حياتهم أمامهم كما يقولون، وأنا مثلهم، أشعر أني معهم أفهمهم، أفهم كرم وهو يبحث عن الإهتمام وعن مستمع لحكاياته، مثلي تماما... ولكنهم أكثر جرأة مني وأكثر قدرة على طرح الأسئلة. وهذا ما تعلمته منهم، ولا أزال!

25‏/01‏/2012

بلا عنوان

مرت سنة منذ أن إنتقلت إلى هنا، إلى هذا المكان الأخضر والجميل. عام قضيته وكأنه يوم واحد، تعرفت من خلاله على نمط جديد للحياة.
لقد عرفت في نفسي القدرة على أن أبدأ من جديد، وليس هذا بالأمر المفهوم ضمنا.



والآن عليّ أن أعمل بجد وأن أتحدى نفسي.

10‏/01‏/2012

لحظة قبل أن أقع




أتسائل إن كان عليّ أن أكتب كل ما أشعر به، وإني واثقة أني لا أكتب كل ما أفكر به أو أشعر به، لأني ببساطة لا أستطيع دائما أن أقول. ينعقد لساني، تتوتر ملامحي، أخاف من الإعترافات الخطيرة التي يمكن لي أن أقولها، فأفضل الصمت.
أصمت، وأغلف صمتي بكلمات أخرى، هكذا تستمر الحكاية التي لا أريدها أن تنتهي، وأنا أغوص في توقعاتي من نفسي...
إلهي، إني متعبة جدا...وأحاول مثل وليد جديد أن أقف على رجليّ، أعلم أن الفرح سيأتي يوما ويرحل، أعلم أن حياتي لا تساوي عند الله جناح بعوضة. فانية هي الدنيا وكل من عليها فان، ولكن رباه..أنا لا أستطيع...


أشعر أني أتسلق جبلا عاليا شاهقا، أنظر إلى أسفل فأصاب بالدوران، تصفعني الريح من كل جهة، أهتز وقت الصعود، أخاف الوقوع، وأمامي طريق طويلة إلى القمة.. عالقة في الوسط، لا أستطيع السماح لنفسي بالإنحدار والسقوط لأن في ذلك الموت الحتمي، ولا أنا أستطيع الصعود... متعبة جدا، ألتصق بصخور الجبل الملساء، أشعر ببرودتها تسري في شراييني... أضطر للتحمل.. بين الفينة والأخرى تأتي طيور مهاجرة تدفعني إلى الأعلى... تشجعني، ولكنها سرعان ما تطير إلى البعيد.


ملتصقة أنا بالجبل وبطموحي العجيب وأهدافي غير الواضحة، أتسلق، أسمع لهاثي وهو يحرق أفكاري، يحوّلها إلى طاقة للعمل... ولكني أفيق مرة أخرى لأجد نفسي في حفرة مظلمة، هناك قررت أن أصرخ بأعلى صوتي فرحة بوجود كهف قادر على حمايتي.
لقد حفرت بقوة كيف أصل كهف الأمان هذا، ولكنه للحظات يبعدني عن هدفي في التسلق والوصول.
فهل أهجره؟