16‏/04‏/2009

صوت اخر يعلو من باحات الاقصى

تصوير ميساء احمد، مدونة انعاش


الاقصى يعيدني الى الوعي. بعد اسبوع من العزلة عن العالم الا من الوهم، اعود الى الاقصى كما دوما لتعود اليّ روحي.

الكاميرا والسيطرة
كانت الساعة تقارب ال12 ظهرا (يوم 16.4.09)، وكنت في طريقي الى المسجد الاقصى، اريد ان ارمي همومي بين باحاته، ولفت انتباهي الكاميرات المعلقة في المباني العامة والخاصة، وفي البلدة القديمة كانت كاميرات المراقبة تنتشر في كل مكان. تذكرت فوكو، الفيلسوف الفرنسي الذي كتب عن المراقبة، وكيف ان الانطمة في العصر الحديث وخاصة في السجون تعتمد على مبدأ المراقبة من اجل السيطرة، عندما يشعر السجين انه مراقب 24 ساعة وكل حركة وسكنة منه تحت المراقبة، الامر الذي يحولّه الى كائن من السهل السيطرة عليه. وهكذا تراقبنا دولة الاحتلال الاسرائيلي حتى من غير ان تراقبنا فمجرد الاحساس، وان كان مبنيا على الوهم، بأننا مراقبون، فإن هذا الامر يحولنا الى اناس آخرين، بوعي منا او بغير وعي.

تظاهرة نسائية
الريح لم تكن تصفر فقط في الباحات المحاذية لباب المغاربة والذي يبتعد بضعة امتار فقط عن المسجد الاقصى (الجنوبي)، بل كانت تلفح قلوب جماهير النسوة اللواتي اصطففن في مواجهة شرطة الاحتلال الاسرائيلي، كن نساءا من مختلف الاعمار، يسبحن، يكبرين، يهللن وينادين بالشهادة فداء للاقصى.
وكانت بين الفترة والاخرى تسمع نداءات عفوية هنا وهناك، لم يكن هناك برنامج واضح، رسائل واضحة، بل كان وقوفهن احتجاجا على دخول قطعان المستوطنين ومن حالفهم من السياح الاجانب واستباحة حرمة المسجد الاقصى المبارك.
كان الشعور العام بان الاقصى هو الثغر الوحيد للكرامة الاسلامية، فان سقط فان كرامتنا ستسقط، ولن يعوضنا اي شيء عنه. وماذا تبقى لنا هنا في فلسطين ان رحل عنا اقصانا؟
كرامتنا تهان في كل مكان، والكثير من ابناء وبنات هذه الامة اصيبوا بداء اللامبالاة. وكان اقسى ما شعرت به النساء المقدسيات، ان اهل القدس قد تخلوا عن اقصاهم. تقول منال بنت ال 21 عاما: "واسفاه على اهل مدينة القدس، لقد استطاعت اسرائيل ان تفقدهم انتماءهم للاقصى. ربما يسرحون الان ويمرحون في الاسواق بينما اقصاهم يئن من الفراغ".

بدر والاقصى
وسبقت صلاة الطهر قطرات من المطر لتغسل مساطب باب المغاربة ولتهيئه لصلاة الظهر، واجتمعت النسوة اللاتي استجبن لنداء الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني التي دعت للرباط في المسجد. اصطفت النساء للصلاة وربما كانت هذه المرة الاولى التي تحتشد فيها عشرات النساء الفلسطينيات لتصلي امام رجال الشرطة الاسرائيلية الذين تجمهروا عند باب المغاربة.
وفي سجدة الركعة الثالثة سمعت اصوات طبول وصراخ باللغة العبرية، كان صوت الطبول يعلو مع الوقت، واذ يخطر لي صوت طبول كفار مكة قبيل معركة بدر. سألت الله الثبات والسكينة.
وبعد الصلاة تجمع الرجال الذين سمح لهم بالدخول للصلاة في المسجد. كانت ريح وبقايا مطر وغبار. اطلقت النساء شعارات عن الشهادة في سبيل الاقصى واراقة الدماء على ثراه. واكتفى الرجال بالتكبير.
تساءلت صديقتي: الى اين وصلنا؟ النساء ترفع اصواتها والرجال يصمتون!
اجبتها: لا يصمتون جبنا، بل منعا لاستغلال صوتهم ضدنا. الرجال يصمتون لانهم اذا صرخوا اعتقلوا، وهل تعقدين ان اي منا ستبقى هنا لو اعتقل الرجال؟

عين الامن
كان واضحا ان هذه هي التجربة الاولى للنساء في المواجهة في الاقصى، مرة يتقاربن ومرة يتبعثرن، ولكنها لا شك وقفة شجاعة.
"أنا متفائلة" قالت رباب "لأن النساء بدان برفع اصواتهن، وهذا يقول الكثير عن قدراتهن".
ولكن ينقصهن الكثير من التخطيط. نعم الكثير.
- ما الذي يمكن ان يخيفك في مثل هذه التظاهرة؟ تساءلت.
اجابت رباب: الامن. الا ترين انهم يصورون كل من يشارك هنا. وهناك من النساء من تبتعد عن اعين الكاميرات حتى تبتعد عن عيون الشاباك (المخابرات الاسرائيلية).
- وماذا بعد الشاباك؟ لنصنع سناريو فيلم رعب من افلام هوليود، شو يعني؟ تساءلت. وبقي السؤال معلقا حتى التقطته ميساء واجابت: "لا داعي للخوف، هذا فقط من اجل التخويف ولن يصنعوا شيئا مع هذه الصور".

من اين تاتي قوة الجلاد او ضعفه؟
بينما كانت النساء الفلسطينيات يصرخن: لا مكان لهيكلكم. كانت اسواق القدس تطفخ بالسياح من اليهود والاجانب، وساحة حائط البراق تمتلئ بعشرات الجنود والمتدينين اليهود والذين "دقوا رؤوسهم على حائط البراق"! كنت ارى هذا المشهد من مطل للسياح يقابل باب المغاربة من جهة ما يسمونه ب"الحي اليهودي" الذي اقيم على انقاض حي المغاربة بعد ان هدم بالكامل عام 1967.
وفي الجهة الشمالية كان بعض رجال شرطة الاحتلال يغطون في نوم على كراسيهم والتي تقع مباشرة فوق مبنى النفق الذي حفرته سلطات الاحتلال من اجل تدشين تاريخ يهودي تحت الارض.

وبعد رؤية هذا المنظر تأكد لي انه من غير الممكن وقد شارفت الساعة على الرابعة بعد الظهر اقتحام المسجد الاقصى، وخاصة ان هناك مصلحة اسرائيلية في ان يبقى السياح في المدينة لا ان يهربوا بسبب اجراءاتها الامنية.

وربما تكون اللعبة هي لعبة مال وسياحة. السياحة الخارجية التي تفاءلت اسرائيل بزيادتها في السنوات الاخيرة ولن تغامر بها في ظل ازمة اقتصادية حادة ستصل ذروتها، على ذمة خبراء الاقتصاد، العام القادم ويمكن ان تستمر لعشرة اعوام اخرى، والله اعلم.

واللعبة هي لعبة سيطرة، اسرائيل التي ترى في نفسها القوة والاستعلاء تريد ان تسيطر على اهم مقدسات المسلمين لاثبات علوها وسطوتها، وربما كان الستار دينيا، مع اني لا اعتقد بان يهودية اليوم هي دين نبي الله موسى عليه السلام، ودليل على ذلك رجوع بعض التيارات اليهودية الى ممارسة طقوس عبادة النار وغيرها من الطقوس الوثنية.

المرأة والوصية
تقول عجوز من قرية طرعان الجليلية: جئت الى هنا لاني امتلئ جروحا، جئت اريد الشهادة في الاقصى، توضئت في البيت وقلت لاولادي باني ربما اموت شهيدة. في حرب 1967 سقطت طيارة حربية في قريتي، كنت وقتها بنت 14 سنة، وصرت ابكي واصرخ من الخوف، ووقتها قال لي ابي رحمه الله: لن تكوني ابنة محمد صبحي اذا استمريت في البكاء. كم اتمنى ان تكوني مع مريول ابيض لتسعفي الجرحى. وها انا انفذ وصية ابي في الاقصى وفي مدينة سخنين في يوم الارض".

تذويت لمعنى الآية القرانية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ"
(سورة الانفال، اية 15)
لا اخفي تنازعي بين رغبة الرباط مع بقية الاخوات وبين العودة على ادراجي. كان التردد ينبع من مكان غير واثق مما ستؤول اليه الامور. كان خوفا نابعا من عدم التجربة. نعم لم اجرب الاحتجاج بهذه الطريقة، ربما استعملت طرقا اخرى اكثر هدوءا. ولكنها المرة الاولى التي اكون فيها مشاركة وليس قاصة.
وفي تلك الحيرة والازمة بدأت اتذكر معنى "لا تولوهم الادبار"، اي لا تهربوا ولا تفروا، ليس فقط من ساحة القتال، بل من ساحة الرباط والتواجد والتظاهر وقول كلمة لا لهيكلهم. وليس فقط في ميدان المواجهة اعسكرية بل ايضا في الاعلام وفي العلم، يجب على كلمتنا الا تكون السفلى بعد الان.
وعدم المبالاة التي يعيشها شبابنا اليوم والخوف الذي عاشه جيل الآباء هو جزء من الفرار وعدم المواجهة، وربما يكون الفرار بعينه.
حان الوقت لنواجهه انفسنا بالحقيقة ولنتحمل المسؤولية.

12‏/04‏/2009

الف حكاية وعبرة واحدة


كل يوم يطرق باب حياتي طارق جديد. كل يوم اخرج من مساحتي الشخصية واتوقع الجديد، فأجد الجديد. حكايات تمر من امامي واسمعها، حكايات حقيقية ومخاوف واحلام تملأ من أقابلهم من الشرق والغرب.

مليئة حياتي بالحكايا، حتى أني أشعر أحيانا أني في كتاب لقصص الليالي الألف، وحينما يستبد بي الملل، أخرج في اقتفاء إحدى الحكايا وامعن في الإصغاء لإحدى النساء أو أحد الرجال اللذين حالفهم الحظ وحكوا قصتهم بأفواههم.

أما حكايتي الشخصية فأراها مثل مرآة تكسرت، كل قطعة منها أنا وأنا أخرى في نفس الوقت. فهل تمزق داخلي الى هذا الحد؟

لست اغوص في الغموض في هذه اللحظة ولكني أحاول ان اكشف عن مخاوفي الحقيقية، ولكني كما يبدو بدلا من استعمل الكلمات لتكشف حالي، اذ بها تخبئ مجهولا او اكثر، او كما كتبت الاديبة احلام مستغنماني في احدى رواياتها (ربما عابر سرير لا اذكر) بان الكلمات مثل المعطف، نلبسها لتخفي حقيقتنا بدلا من ان تكشف عنها!


رسائل وعبر
أليس جميلا الوقوع في المتاهات؟ والخوض في كلام لا يفيد بشئ؟ أحيانا أحاول ان افهم الى ما يرمي الآخرون، أحيانا لا افهم المقصد، وعندما احاول ان اقوله بكلماتي المباشرة، اكتشف ان الكلمات شيئ مثل الزئبق في المرونة، وكل يستطيع ان يفسرها كما يحلو له.
وربما هذا هو سر الحملات الانتخابية والمضامين السياسية والاعلانية التي ننكشف لها يوميا وفي كل لحظة، كلمات ومصطلحات وايحاءات ليفسرها كل كما يحلو له.
ومع ذلك، ما الذي يمكن ان تخبئه لي الايام؟ هل سأبقى في الحكايا؟ ام اني ساصبح نفسي احدى الحكايا؟
كل يوم تصلني رسالة جديدة من احد ما لا اتوقع منه\ها ان يقول ما قال، ولكن الرسالة تصل، كما لم تصل من قبل.
من اليوم بدأت اتصالح مع عمري ومع عملي، بدأت اشعر انه بالامكان ان استغل كل ايجابي في المرحلة التي اعيشها بلا كثير من القلق، ومع ذلك لا يزال المستقبل، بكل مجاهيله، يقلقني رغما عني.
فالتتجمع قوى الايمان في داخلي عساها تدحر قلقا ابديا يعشش مثل عصفور خائف، والرهبة تصبح مثل لا شيء.




01‏/04‏/2009

كالغيمة تحمل البرق وتمضي..


من يستطيع ان يفتح ابواب الشمس
لتدخل الانوار الى ظلمات قلب وحيد؟



من يستطيع ان يسمع الاصوات الاتية من الاعماق؟
توحش غير منطقي يندفع في هذا الكون
مثل رصاصة.



ان كنت تملك كلمة واحدة

فقلها

او انطلق كما كنت دائما

في المجهول.

تتكاثف مشاعري مثل بخار

يتصاعد الى سماء يملؤها الدعاء

والرجاء.

رباه..

لا تتركني وحيدة.




كلمة ما قبل النوم


اهجرك يا كلماتي

لاني لا اعرف كيف اكتبك نثرا او شعرا

اهجرك ربما لان لا معنى بقي لك في هذا الضياع

نثرا او شعرا

لا اشعر بك.