31‏/01‏/2009

مطر.. مطر


اعرفه من صوته.. وقع خطواته تفتح في الروح مسامات كانت على وشك ان تغلق معها باب الحياة. اعرفه من صوته عندما يهطل لا ليحيي الارض بعد موتها فقط، بل ليحيينا جميعا.
كان هذا صوت المطر يطرق نافذتي قبل دقائق. سقط ثم ارتاح قليلا. وانا انظر الى السماء واخاف الا يسقط المطر. استغفر الله واستبشر بوجود الغيم يتراص في السماء.
نحن والمطر
هل استجاب الله لدعوى الداعين؟ البارحة (الجمعة) صلينا صلاة الاستسقاء في المسجد الاقصى، رفعنا ايدينا مستغفرين طالبين سقيا رحمة لا سقيا عذاب. رفعنا ايدينا في اقرب نقطة الى السماء ندعو الله الا يتركنا في شرك الظالمين.
كانت هذه المرة الاولى التي استشعر فيها حاجتي الى المطر. المطر الذي قلّ انزوله هذه السنة، فيا ترى كم هي المرات التي وقفت وفكرت فيها بحاجتي إليه؟


والجواب هو قليلا جدا. فهل انتمي الى جيل لا يعترف باهمية المطر؟ هل وصلت الى درجة لا ابالي فيها بنزول هذه الرحمة الى الارض؟ لا اعرف من اين يأتي الجواب بالتحديد، ولكن وعي المطر لم يكن هاما في داخلي في السنوات الاخيرة. فالحياة في المدينة حيث تقل الاشجار والخضرة، والتعود على شرب المياه المعدنية، واهمال الطبيعة وعدم تأمل جمالها او تذكرها هي قيم دخلت مجتمعنا، المجتمع الذي تحول خلال سنوات ما بعد النكبة والنكسة الى مجتمع عمالي، يعتمد على اعمال البناء ورصف الشوارع والوظائف المكتبية، وابتعد شيئا فشيئا عن الارض والزرع.
اما جيل الارض من الاباء والامهات والاجداد والجدات فهو يعرف الارض اكثر من جيل اليوم ويشعر بعطشها الشديد، جيل يتواصل مع الحيوانات الصغيرة والكبيرة ويفهم حاجتها الى الماء والغذاء، انه ليس جيل الانترنت الذي لا يعرف معنى سيل الماء بل سيل الكلمات والافكار.

صلاة الاستستقاء اعادت الى وعيي الحاجة الى الماء، الماء الذي كان امرا مفهوما ضمنا ما دمت استطيع ان اشتري المياه المعدنية. وربما لو لم اكن قادرة على شراءها لشعرت فعلا بالعطش الشديد ولبحثت عن المياه التي تختبئ في سحابات المطر.
ذكريات
توقف المطر عن الهطول، وكنت اريد ان اسمع وقع سقوطه، ارهفت السمع، وكأننه كان يعاقبني على تجاهلي اياه سنوات طويلة. تذكرت ايام الطفولة، كيف كنت اتعلق برأس شجرة التين واصرخ باعلى صوتي: العاصفة!! وكانت الريح تهب لتحرك الشجرة العالية يمنة ويسرة وانا اتعلق بها وكاني في سفينة في عرض البحر، كانت الامطار تغرق وجهي، والغريب في الامر اني كنت اشعر بدفء رائع.
استرجع تلك اللحظات البريئة، واتمنى ان تعود، وان اقفز لاتعلق باقرب شجرة تصادفني.. ولكن هيهات.. ايام الطفولة تترك فينا الاحساس الرائع ولكننا لا نستطيع استرجاعها.. لانها ببساطة ذهبت ولن تعود.
ولكن المطر يعود كل سنة، وهذه السنة اشعر بانه لم يأت كما كان يفعل في كل سنة. افتقده الى ابعد الحدود، كم اريد الآن ان امشي تحت زخاته الغزيرة بدون مظلة اتدثر في معطفي، لاستشعر التوحد مع مكونات الطبيعة الحيّة. وفي هذه الايام، من الصعب عليّ ان اتوحد مع ريح هذه السنة الباردة غير المبالية.
رباه اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين!






هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

رائع .... كلامك جميل وطريقة وصفك للحدث جعلتني اعيشه منسابة مع الكلمات ، واستشعر قيمة ما فقدنا ، غريب هو الانسان لا يحس بالنعم الا عندما يفقدها ..

غير معرف يقول...

بارك الله فيكم !

أعجبني التعرض لمسألة اللامبالة والجيل الذي لا يعترف باهمية المطر !!

تخيلي انني سمعت يوما ما ، صوتا بداخلي يقول :

لماذا لا نجمع ذرتين هيدروجين مع ذرة اكسجين وإنتهت المشكلة !

طبعاً هكذا تشوشات .. تحصل عندما نرتكز ونطمئن للعلم فقط .

ونترك قضية المادة وسلطة الله عليها . وتسخيرها لنا .. ومنحها صفة الإفادة والإساءة .

اخيرا ـ المسألة البيئية لا بد وان نطاردها .. خاصة نحن المسلمين .!

والسلام