25‏/01‏/2009

الجريمة والعقاب (الحلقة الاولى)


عندما قررت شادن ان تضع حدا لحياتها، لم تفكر الا في حفرة معتمة تحت الارض، شادن المرأة التي قادت نساءا كثيرات الى حتفهن، لم تفكر ابدا في العقاب الالهي، بل فكرت في خلع قناع البراءة والذل واستبادله بقناع السيطرة والقوة.

شادن لم تسأل نفسها اي سؤال ولم تحاول ان تتوب، وهي ترى نفسها بلا شيء في السجن. كل ما فعلته هذه المرأة هو ان تكسّر مصباح الضوء بضربة من حزامها، وان تجمع الزجاج المكسور، وبدلا من ان تجرح به وريدها، قامت بابتلاع الزجاج وطحنه، وسمعت حشرجتها وصوت موتها وكانها غنمة تذبح. كان الصوت يشبه الاختناق ف اعماق بحر او صوت اصطدام الشهوة في الفراغ.
كانت هذه نهاية احدى بطلات المسلسل السوري "وحوش وسبايا" والذي عرض في رمضان 2009. الوحوش والسبايا الذين يعرضهم هذا العمل الدرامي يثيرون الكثير من الاسئلة حول طبيعة الخير والشر، الضحية والجلاد، والمتغيرات في العالمين العربي والاسلامي ودخول مصطلحات وانماط تفكير جديدة الى العقل العربي. هذه الانماط التي اعتبرها ثورية في عالم يملؤه الحقد مع قدرة مثيرة للتساؤل حول ابتكار الجريمة وتنفيذها.

السؤال الاول وليس الاخير
والسؤال الذي اطرحه اليوم بخصوص هذا المسلسل وغيره من المسلسلات والبرامج العربية التي تعرض ليل نهار على ملايين من المشاهدين العرب من كل الاجيال هو: هل هؤلاء الابطال وهذه الحبكة الدرامية تعكس الواقع العربي الموجود ام تعكس الابطال المرغوب بهم مستقبلا؟ ومن هم هؤلاء الابطال؟ وكيف تغير البطل العربي والى اين يذهب؟ والاهم من ذلك: ماذا يخدم وجود هذه الافكار؟ ومن؟
وكلما ولّد السؤال الواحد عشرات الاسئلة كلما ساهم ذلك في دفعه\ها الى التمعن اكثر في المجتمع.

كيف نعبر لنعود؟
قررت بعد فترة كنت فيها مشغولة في غزة، ولا ازال، ان احاول ان افهم اكثر الوعي العربي وهل يتغير والى اين؟ حيث لا يمكن فصل الحدث السياسي عن الاجتماعي وعن الوعي الذي تنتجه وسائل الاعلام ليس فقط سياسيا بل ايضا نفسيا واجتماعيا. حاولت ان ابحث عن حالة شيقة استطيع متابعتها والغوص فيها، وبطريق الصدفة فقط عثرت على هذا المسلسل في غوغل فيديو، ورغم اني لست من هواة المسلسلات ولا يوجد لدي جهاز تلفزيون، الا ان شيئا في عنوان هذا المسلسل جذبني واردت ان اشاهد ولو مقاطع منه. وكانت المفاجاة الكبيرة: امامي مسلسل من 29 حلقة يبني الشخصيات والادوار بطريقة فنية، تصوير جميل ومعبّر، والاهم من ذلك المضمون غير الواضح على الرغم من وضوحه. باختصار قلما يجد المرء نفسه امام تحد ابداعي من هذا النوع.
ولست في هذا السياق احاول ان امتدح المسلسل، بل اريد القول ان هذا المسلسل مبرمج من اجل ان يجذب وان يسلب المشاهد قدرته النقدية. وهذا بالذات ما اريده، اريد ان اعرف متى يغيّب المشاهد؟ وما هي اجندة هذا المسلسل؟


يتبع..

ليست هناك تعليقات: