31‏/12‏/2008

غزة وزمن وضوح الرؤية!


غزة لا تموت. مر فيها الغزاة ورحلوا. مر فيها قادة امثال فرعون مصر، الاكسندر ونابليون بونابارت وهم يحلمون بالسيطرة على القطاع الذي يربط افريقيا والمشرق العربي، ولكنهم رحلوا.
حضارات عدة كانت في غزة حيث وفد اليها اليونانيون وفراعنة مصر القديمة والفرس والرومان. وترك البريطانيون والاتراك وآخرون بصماتهم فيها التي توصف بأنها اقدم مدينة في العالم. ويرقد تاريخها تحتها وفي شعبها الذي يرفض الموت بالذل والمهانة.

في البداية كبر وفي النهاية غرق في بحر
ان قراءة في الايات الخمسين الاولى في سورة القصص لا بد ان تلهم المسلم بالكثير. حيث تحكي قصة فرعون مع بني اسرائيل. وكيف ان فرعون علا في الارض واسكتبر واتخذ اهلها شيعا، يستضعف فئة ويقتل اخرى. حتى وصفه الله بانه وقومه من الظالمين.
وصل فرعون الى اعتزاز بالذات وبالامكانيات المادية والاقتصادية والجيش والمخابرات الى درجة ادعى فيها انه الاله الذي يستحق العبادة والخضوع.
ولما رفض الايات التي ارسلها له الله، واخلف العهود التي قطعها لنبي الله موسى استكبر زيادة. ووصل الى درجة من القوة والثقة الى ان يحشد جيشه وكل من معه، حتى خرج بكل زينته الى حتفه، ليغرق جنده في البحر، ليذهب كل ما خطط له هباءا منثورا، وحتى يكون آيه لمن بعده ليس فقط مادية (لانه تم اكتشاف محنط يقال انه هو فرعون موسى لم يغرق في البحر كما اظهر القرآن الكريم) انما ايضا معنوية، حيث ان الرسالة واضحة في هذا السياق: انه مهما بلغ جبروت الظالم وسلطته وثقته بامكانياته المادية، فانه الى زوال وبطريقة لن يتوقعها ابدا.
لنكن على يقين ان ظلم اهل غزة لن يدوم. وان الظالمين لن يعمروا في الارض كما يحلمون، بل سيأتيهم الله بجند لا قبل لهم بها.
ولنكن على يقين بان ألم المحاصرين والضعفاء سيكون باذن الله طهورا لهم من ذنوبهم. وان صبرهم واحتسابهم الاجر سيدخلهم جنات الله باذنه.

اللهم افرغ علينا صبرا
الابتلاء كبير. وهناك دعوات مباركة الى الدعاء، الصيام، التظاهر والتعاطف مع اهل غزة. ولكن التخبط اكثر، كثيرون يشعرون بالاحباط وعدم القدرة على فعل اي شيء. هذا الشلل طبعا هو آخر ما نريده في هذا الوضع الصعب.
تاريخنا لا يخلو من المصاعب التي وقف فيها اجدادنا وقالوا كلمتهم وفعلوا دون ان يقنطوا من رحمة الله.
ويحضرني في هذه الازمة موقف عظيم لصحابي جليل. انظروا الى الموقف بعد وفاة المصطفى محمد عليه الف صلاة وسلام. كيف كثر الحديث والخوف، حتى ان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يصدق وقال بان الرسول لا بد رفع كما رفع عبد الله عيسى، وهذا من صدمته. فما كان من ابو بكر الصديق ان وقف وقفته العظيمة وقال: من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت.
وكأن ابا بكرقد تهيأ في صحبة الرسول الى هذه اللحظة التي تحتاج الى الثبات. وفي موقف اخر له، عندما تمردت القبائل العربية على الاسلام، وكان المسلمون وقتها 10 الاف مسلم، تقلبت من حولهم الامور وساءت. حتى ان عض الصحابة نصحوا ابا بكر ان يبقى في داره. فم كان منه الا ان اخذ بالاسباب واعلنها خربا على المرتدين والمنافقين.
وهناك الالاف من المواقف للقادة المسلمين عبر التاريخ في مواجهة الازمات يمكن ان نتعلم منها الكثير. وخير مثال لنا هو رسول الله عليه السلام عندما حوصر في شعاب مكة ثلاث سنين متواصلة حتى اكل الصحابة الاعشاب. وفيه لنا عبر في قوة الايمان والتوكل على الله والتقرب منه تذللا وطلبا للعون والغوث.

في الازمات..
نحتاج لنتقرب من الله اكثر
نتعلم من تجاربنا
نكون على يقين بان النصر آت مهما طال ليل الظلم
نتوكل على الله ونتفائل بالخير
نبصر كيف تجعلنا الازمة نميَز بين المنافقين واللامبالين وبين المسلمين حقا

انه بالفعل زمن وضوح الرؤية كما وصفة الشيخ د. راغب السرجاني.

28‏/12‏/2008

رسالة غزة إلينا

لا زال عندي أمل.. من الظلام سنبت فجر جديد.. لكن هيا إلى العمل..


جريمة الأمس في غزة، ليست جريمة يوم واحد. لذلك فالحزن والحداد لا يجب ان يكون ليوم واحد، ولا حتى اسبوع او شهر.
كثيرة هي الاحزان التي عبّر عنها اهل غزة وسط الجثث والركام. وفي ظل الخوف ونقص في الانفس والثمرات. كبيرة هي المأساة لدرجة أني وجدت نفسي لا أقوى على الكلام. شلّت الكلمات في داخلي. لا شيء يستطيع ان يعبر عن الاحباط وعدم القدرة على فعل اي شيء تجاه الأزمة.
هذا ما عبّر عنه الشارع العربي والاسلامي. حزن، تعاطف، وبعض مظاهرات. ولكن هل هنا ينتهي الفعل؟ هل هنا ينتهي دورنا؟ هل يستطيع البكاء والرثاء ان يعيد من مات وما هدم؟ هل اسرائيل ستوقف ما هي عليه من عنجهية ان استمرينا في البكاء وقذف الشعارات؟

حان وقت الحساب
لنقف ولنسأل أنفسنا: ما الذي نستطيع ان نفعله الى اهلنا في غزة؟
نعم اهلنا يريدوننا ان نتفاعل معهم، وان نسمعهم موقفنا في الرفض والاستهجان والاستنكار والتنديد.. والصدمة وغيرها من المواقف التي تزخر فيها مواقفنا على مدى اكثر من مائة عام. اذا حسبنا ان الصراع مع الصهيونية بدأ منذ بداية القرن العشرين مع الهجرات التي تدفقت على فلسطين وقتها.

حان الوقت لنعيد حساباتنا. ربما نحن نحتاج الى صدمة رهيبة حتى نفيق. صدمة بحجم الدم الذي نزف والالم الذي يرتعش في جنبات الاطفال والنساء والعزل من الرجال في غزة. ربما حان الوقت لنصحو ونسأل أنفسنا: ما الذي يحدث لنا؟ ولماذا نسارع في التباكي حتى ننفس عن القهر، وحتى ايضا نستطيع ان نستمر في التعود على الخمول وكأن ما يحدث هناك بعيد عنا. وكأننا بعيدين عن الموت، كأننا نستطيع هنا (كل في مكانه ان يكتفي بالشحب والحزن لبضع سويعات او ايام).

رسالة غزة الى العالم
مذبحة بهذا الحجم اكثر من مائتي شهيد، وومئات الجرحى والثكلى واليتامى في يوم واحد. محرقة في ها الحجم يجب ان توقظ فينا اكثر من الدمع والاحساس بالذنب.

وفي هذا السياق، وحتى لا أقع في العموميات والايحاءات وساعتها لن اخرج من هناك بسهولة وبسرعة. فإني أرى أن حساب الذات يجب ان يشمل تفكيرا في طرق العمل والابداع.
اولا: علينا ان نعلم جيدا ان الدم الذي سينزف على هذه الارض سيكون كثيرا جدا وبغزارة، مذبحة غزة البارحة هي جزء من سلسلة ولن تكون الاخيرة، بل ان ما سأتي سيكون أصعب بكثير (اسفة على هذه النظرة، انها ليست تشاؤمية بقدر ما هي واقعية!). ولذلك فان ردنا عليه ان يرتكز على التخطيط وليس فقط ان يكون رد فعل عشوائي وعاطفي. وعلينا استغلال الامكانيات المتوفرة لدينا. وهي فعلا سهلة المنال ولكننا بحاجة الى قناعة وارادة.
كل ما نحتاجه هو انترنت وجمهور انترنت. كلما كنا اكثر، كلما استطعنا ان ننتشر اكثر وان يصل صوتنا حتى للجمهور الذي لا يمتلك النت ولا يتحدث العربية.
اقتراحي كالتالي: بناء موقع انترنت جديد عن غزة تحت الحصار. لا يجب ان يكون كبيرا ويحمل مواضيع كثيرة، بل عليه ان يحمل رسائل قصيرة وواضحة من اجل نشر معاناة غزة. ليس فقط في وقت المجازر بل كل وقت. وعلى سبيل المثال يمكن ان يشمل زاوية فيها يكتب او يرسم اطفال العرب والمسلمين لاهل غزة. وفيه استطلاع يعبر عن رفض حصار غزة.
افكر في موقع سهل، بلا كثير من الكلام. بل رسائل معبّرة. تطوف العالم. وتحشد التأييد لرفع الحصار عن غزة.
هذا وقت العمل. فهل هناك من متطوع\ة؟






21‏/12‏/2008

تاريخنا لم يكتب بعد


لا أحد يستطيع ايقاف سيل من الافكار حينما تاتي. تنهمر الأفكار والتوقعات مثل مطر لايقاظ النفس وما فيها. تتصارع الافكار في داخلي في مجالات مختلفة. ولكن من منها تستطيع الوصول الى السطح؟
في البدء كان الخوف
لطالما اعيش صراعا بين المخفي والمكشوف في حياتي. ليس فقط كفرد بل كأمة. لا اتحدث فقط عن المشاعر بل أيضا عن التاريخ. في محاضرة للدكتور مصطفى كبها حول احداث حرب 1948، القى الاستاذ في التاريخ والاعلام اضواءا عن العلاقات الفلسطينية اليهودية ابان الانتداب البريطاني.

ويقول كبها انه من الصعب فهم النكبة دون دراسة ما كان قبلها وبأدق التفاصيل. كبها الذي يعيش في قرية ام القطف في وادي عارة يدرس احوال العائلات والمهاجرين الفلسطينيين في تلك المنطقة منذ اكثر من عشرين عاما. يقول عنه من يعرفه انه يعرف تقريبا كا شيئ عن حياة الفلاحين الفلسطينيين قبل النكبة وكيف تبعثروا بعدها في بلاد العالم. وهذا طبعا من خلال الآف المقابلات الشفوية التي قام بها خلال العشرين سنة الماضية.


وعلى الرغم من ذلك، يقول كبها، لا توجد امامنا الكثير من الحقائق التي تخص هذه الحرب. فكثير من الوثائق لم يسمح بنشرها بعد. والمأساة الكبيرة هي انه حتى الآن لا يوجد أرشيف وطني فلسطيني يوثق الحالة الفلسطينية. ويروي كبها بأسى كبير كيف ضاع الأرشيف الفلسطيني الذي عمدت منظمة التحرير الفلسطينية الى اخراجه الى حيّز الوجود منذ تأسيسها عام 1964.

ولكن في حرب لبنان 1982 قام الجيش الاسرائيلي اثناء احتلال لبنان بالاستيلاء عليه وتصويرقسم كبير منه، واعيد الى منظمة التحرير في الجزائر وهناك تم تخزينه في ظروف سيئة جدا، أدت الى ضياع الكثير من الوثلئق فيه. وبعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 دارت خلافات فلسطينية حول اعادته. وفعلا اعيد الارشيف في عدة صناديق كبيرة الى ميناء اسدود في عام 2000، وبسبب اندلاع الانتفاضة الثانية احتجزت هذه الصناديق بما فيها لدى الاسرائيليين، لتغيب عن الباحثين الفلسطينيين حقائق ربما كانوا يستطيعون ايجادها فيما جمع سابقا.

الصور والرواية الناقصة
كبها هو المستشار الفني لمعرض صور حول تاريخ وادي عارة من منتصف القرن الثامن عشر الى اليوم. وهذا المعرض في غالاري سعيد ابو شقرة في مدينة ام الفحم. معظم الصور جمعت من المتحف البريطاني ومن الموشافات والكيبوتسات (التجمعات السكنية التعاونية الاسرائيلية) المجاورة.

وما يميّز المعرض كونه الاول الذي يعرض صورا نادرة عن الحياة في القرى الفلسطينية قبل النكبة. وهو ايضا يعرض حياة الفلسطينيين ابان الحكم العسكري الاسرائيلي (1948-1966) على القرى الفلسطينية التي بقيت وضمت الى الدولة العبرية. ومن الملفت للنظر وجود العلم الاسرائيلي في المناسبات، وحتى الافراح. كما وتوجد صورة اخرى فيها جوقة من فتيات صغيرات يغنين في ما يسمى "يوم الاستقلال" على مسمع من عشرات بل مئات القرويين. وهناك صورة اخرى لنساء يعملن في الحقول، وصورة اربعة مخاتير قاموا بالتفاوض على تسليم قرية كفر قرع. حيث توجهوا الى الحاكم العسكري في عام 1948 واستطاعوا ان يمنعوا طرد اهاليها منها. ولكن المجتمع ينظر اليهم على انهم متعاونين مع السلطة.
وتعرض صور المعرض الحديثة صورا من نضالات سكان وادي عارة في الانتفاضة الثانية. كما وهناك تسجيل فيديو لمقابلات مع كبار في السن الذين عاصروا النكبة وما بعدها.


قريتي التي لم احلم بها بعد
لم اعرف ابدا ان للاشجار قدرة على التستر على جريمة حرب بهذه البشاعة. من شارع وادي عارة الطويل، وعلى بعد بضعة كيلومترات من مدينة ام الفحم، وباتجاه مدينة العفولة، الاشجار تخفي بقايا قرية هدمها الجيش الاسرائيلي في عام 1948، وهذه القرية هي اللجون. وقريبا جدا منها يوجد سجن مجيدو الذي يقبع فيه الاف الاسرى الفلسطينيين في انتظار المجهول.

من الصعب تمييز الحجارة الا اذا قصد المرء ان يراها. حجارة متناثرة هنا وهناك كانت بقايا بيوت فلسطينية. الختيار ابو عمر يعرف هذه البيوت ويعرف الحارات في القرية التابعة للعائلات: محاميد، محاجنة، جبارين واغبارية. وتمتاز القرية بكبرها هذه انها مركز ل 2000 دونما زراعيا يتبع للاهالي، كما وان فيها مسجدا، مقبرة، مدرسة، واربع مطاحن للقمح قديمة. وبنيت قرية اللجون في عام 1910 وكانت تجمعا للفلاحين الذين ارادوا ان يكونوا بالقرب من اراضيهم في مرج بني عامر.

وسقط شهداء على ارض القرية وهم خمسة حاولوا العودة اليها بعد طرد اهلها عام 1948. وبقيت القرية مهجورة، يعود اليها اهلها اللاجئون في مدينة ام الفحم القريبة من اجل ان يتذكروا انها لهم. ويقول فهمي ان اباه الذي بلغ من العمر ثمانين عاما يقول: يا بني لا تبع ارضك.. لا تستبدل ارضك.. ولا تقبل التعويضات عن ارضك.. ارضك لك وهي ليست للبيع.


الرؤية الآن اصبحت واضحة!
وفي الطريق الى القدس وعن طريق راس العين، بدأت عيناي ترى. رأيت الكثير. اصبحت الاشجار شفافة أمام ناظري. كيف لا وانا ابحث عن تاريخي وعن بقايا نفسي. اصبحت ارى الحجارة التي منها بنيت البيوت، رايت مطاحن، مقابر، ومآذن.
اصبحت اميّز البيوت، واتخيل من سكن فيها. احاول ان اسمع اصواتهم. ولكني لم اصل الى ذلك. ينقصني التوثيق. تنقصني الحقيقة حتى ابني خيالي.

في داخلي فجوة. تجتاحني رغبة في مزيد من القراءة. اريد ان اتعرف على شعبي وهويتي من جديد. ويبدو اننا لم نكتب تاريخنا بعد.



16‏/12‏/2008

عندما يصبح الحذاء اسطورة


لاحظت من خلال متابعتي للتعليقات العربية على حادثة رمي الحذاء، من قبل الصحافي العراقي منتظر الزيدي على الرئيس الامريكي السابق جورج بوش، مدى التشفي العربي ببوش.
والمثير للاهتمام هو ان الحذاء تحول الى اسطورة، والى سابقة عربية للتعبير عن الذات والاحتجاج على عنجهية امريكا وخيانة الانظمة العربية.
واريد ان اذكّر ان رمي الاحذية ليس جديدا، ففي الانتفاضة الثانية ( شهر آب 2004) رشق المصلون الفلسطينيون في المسجد الاقصى المبارك الجنود الاسرائيليين بالاحذية حينما حاولوا اقتحام المسجد واعتقال المعتصمين فيه، عندما احتشدوا في باحاته مدججين بالسلاح.


وقبل ذلك وفي كانون اول من عام 2003 اصاب احد الاحذية وجه الوزير المصري احمد ماهر الذي دخل المسجد الاقصى مصليا وبحماية اسرائيلية. حيث استقبلت احذية المصلين الفلسطينيين الوزير المصري ورشقت عليه وسط هتافات تتهمه بالخيانة.

حذاء.. شيطان..ذكرى وسخرية
وحتى ان رمي الحذاء شبّه برمي الجمرات على الشيطان، اي انه تحول الى منسك اشبه بالمقدس. وطبعا لا نغفل ان ترسيخ رمي الجمرات ربما جاء بفعل التغطية الاعلامية السعودية الكبيرة لمنسك الحج لهذه السنة، حيث نقلت بالصوت والصورة وبصورة مبالغ فيها الجهود السعودية من اجل تسهيل رمي الجمرات على كثير من القنوات العربية.

وايضا كانت هناك دعوة لبناء نصب تذكاري في العواصم العربية للصحافي الشاب الذي تجرأ وعبّر عن نفسه وبهذه الطريقة الفريدة. وكأنه قد تحول في الوعي الجماهيري الى ذكرى يجب ان تخلّد قبل ان تؤؤل الى النسيان. وذكرى تحمل تفسيرين: اولهما انه لا بد وللاسف الشديد ان يتحول الصحافي الى ماض، من خلال حرمانه من حقوقه الانسانية والصحافية وتغييبه عن الحياة (مجازا او حقيقة). وثانيهما: ان فعله مقبول ويراد له ان يصبح قدوة للاجيال السابقة واللاحقة.




اضافة الى السخريات التي عبّرت عن حالة الفوضى التي نعانيها في الرد على الهجمات الخارجية والداخلية المتلاحقة، ولا بد انها هجمات "تكسر الظهر"، ومنها مثلا: ومن لم يستطع منكم فبحذاءه!! او ان احد البروتوكلات القادمة لاستقبال الزعماء في البلاد العربية تكون بخلع الاحذية!! وان السلاح الوحيد الذي عبر جميع وسائل الامن كان الحذاء!!


وفي بعض الحالات تحول يوم ضرب بوش بالحذاء الى يوم تاريخي. واليكم هذه السخرية التي وصلتني بالايميل:


قالت ام محمود : شو يا أم حسن ، متى اشتريتم هذا البراد ؟


ام حسن : والله يا ام محمود ، قبل ما يأكل بوش الصرماية بيومين.


قالت ام جورج : شو يا ام فايز قديش صار عمر ابنك فايز ؟


ام فايز : والله ما بتذكر تمام ، ولكن اذكر انه ولد بعد شي كم يوم من الصرماية التي اكلها بوش.


كما ان الامانة العامة للجامعة العربية اصدرت تعميماً ،، يُحظر فيه اقامة أي مؤتمر صحفي بعد اليوم ، الا في داخل المساجد ( خلع الحذاء قبل الدخول) .والأمانة العامة للشعب العربي تُصدر بياناً تُعلن فيه ، يوم الأحد 14-12 من كل عام عيداً للحذاء العربي .


وفي موسوعة غينيس للأرقام القياسية ، يضاف اسم جورج بوش ، كأول رئيس أمريكي ، يُغادر عالم السياسة والبيت الأبيض بالصرماية .

من الاحتجاج العاطفي الى العقلاني
لا استطيع الحكم في هذا السياق على العمل الذي قام به الزيدي، وليس مهما القول ان عمله في مكانه او لا. ولكن لا يمكن تجاهل حالة التنفيس التي خلقها في الشارع العربي المكبوت. ولكن السؤال الذي يطرح ذاته: هل يكفي ان نرمي الاحذية؟ هل تكفي ردود التشفي والاحتجاج؟ والتي في اغلبيتها عاطفية.

ربما حان الوقت، وربما بدأنا دون ان اعرف، بمقارعة الحجج بالحجج، حجج الاحتلال ونهب الثروات وتضييع الحقوق بحجج الشعوب التي تصبو الى التحرير، واهم ذلك من خلال المؤسسات التعليمية والعلمية، الاعلام، واللقاءات مع الآخر (من الغرب او من الشرق). يجب الا يغيب عن وعينا الفردي والجماعي التفكير بالمسؤولية عن اوضاعنا التي نعيشها اليوم.


تحملنا لمسؤوليتنا عما نحن فيه والتعامل مع وضعنا على هذا الاساس، برأيي، يمكن ان يخرجنا من مأزقنا، لأن ذلك في أيدينا. ولا يتوقعن أحد ان التغيير يأتي من الخارج، وان المحتل سيخرج من تلقاء نفسه او من رمية حذاء.


15‏/12‏/2008

سكين ينزف افكارا


الكتابة تجرح. هل تعرفون كيف؟ تكون الكتابة مثل سكين حاد يجرح القلب من أجل اخراج فكرة. وربما تكون الفكرة في نهاية المطاف غير جديرة بالقراءة. ولكنها تجرح بقوة.
الفريسة والصياد
عندما نكتب لا يمكن ان نهرب من المساحات التي يمكن ان تكشفها الكلمات في ذواتنا. وعندما تنكشف هذه المساحات، فانها تتحول الى فريسة وتخضع لعمليات تشريح من جهة كل قارئ. عندما تكتب، فانك تفقد السيطرة على الكلمات وتصبح الرسائل ملكا للقارئ يفسرها كيفما يشاء، وليس لك الا ان تتمنى ان يفهمك القارئ ويشّرح بناءا على رغبتك.


وعندما اطوف بين التدوينات العربية، اجد الاغلبية مبهمة. كلمات جميلة، ولكني ابحث عن المعاني، فلا اجدها في أحيان كثيرة. ويهتم الكثيرون بالنسخ والاقتباس عن آخرين، وليس هذا ممنوعا. ولكن أرى أن في ذلك ضياع لفرصة ذهبية في التعبير عن الذات. ومهما بلغت الصعوبة في التعبير في كلمات واضحة ومعان واضحة، فهذا خير من الغموض والاقتباس.

في المدونات الشابة التي قرأتها، وخاصة من خلال مدونة زيتونتنا (هذه طبعا ليست جملة للترويج والدعاية!) رأيت أقلاما تحملها نفوس تتوق للحرية، شباب يرفض القيود، ويريد عالما أكثر انفتاحا وجمالا. وهذا في حد ذاته جميل. ولكن ما ينقص هو تصوير العالم الذي نريده وتحويله الى افكار قابلة للتطبيق.

لا بأس أن نحلم، لنحلم ماذا نريد أن نكون. لنقل بصراحة ووضوح أننا نريد مجتمعا منفتحا للاختلاف. ولنكتب كيف يمكن ان نصل الى ذلك. لنقل أننا نريد حرية ولنرسم بأقلامنا وأفكارنا هذه الحرية.
وأقول لذاتي الآن: ابحثي عن المرأة واكتبي عنها. قولي أي امرأة تريدين ان تكوني. ابحثي عن أعمق النقاط فيك واكتشفيها.
واقع افتراضي
قال لي محمد وهو شاب في منتصف العشرين من عمره، وهو ينهي هذه السنة تعليمه في جامعة القدس في قرية أبو ديس الفلسطينية المحتلة (وهي تبعد حوالي كيلو متر من البلدة القديمة في القدس ولكنها محاطة بجدارالفصل): سانهي دراستي وسانضم الى موكب العاطلين عن العمل.
قلت له: ما عليك.. احلم بأنك ستجد وظيفة مناسبة.
أجابني: أريد ان اهاجر للغرب. لا مكان لي في وطني. لا عمل هنا ولا امل.
وجدت ان الكلمات تختنق في ذاتي، ماذا يمكنني أن أقول؟ بدت كلمة احلم بائسة وغير معبّرة. فالواقع يفرض ألوانا أخرى للحياة. اما احلم فهي ليست واقع ملموس. أنها واقع افتراضي. مثل الجنة والنار. فهما واقع افتراضي. نؤمن بعمق أنهما موجودان وهما واقع بحد ذاته. ولكن الكثيرين ممن يؤمنون بما يستشعرونه من المادة، فيرون أنهما ليسا إلا خيالا ووهما.

أضع السكين على قلبي وابدأ بالجرح (مجازا)، ولكن لا تخرج أي قطرة أو فكرة اريدها فعلا. حيرتي كبيرة. لا بد انه لا يكفي أن نجرح، بل علينا ان نكون جريئين كفاية من أجل الكشف عن جروحنا. وبينما نحن نتركها تنزف، يتعلم منها كثيرون.




12‏/12‏/2008

شهرزاد تضيع


من يعرف كيف تتحول الكلمات الى رمال؟
رمال وشاطئ بحر. ولا يبقى لي سوى التأمل.

لن تغرب شمسك عكا مهما تغّرب ابناؤك
وحين تغرب الشمس، مثل قرص احمر يسقط في بحر عكا، تنفجر الذكريات دفعة واحدة. ويتساقط الحزن مثل مطر. وبينما يزداد ايقاع الدبكة على أنغام موسيقى عالية الصوت، يعلو نداء "رب اغفر لشباب امتي فهم يجهلون". يدبكون ويرقصون، شباب في العشرين وصبايا مثل وردات قطفت قبل الاوان يحاولن لفت الانتباه بكل طريقة ممكنة، باللباس، النظرات ذات المعنى وبدلال رخيص.
"جيل لا يعرف ماذا يريد" صرّحت رفيقتي جيهان ونحن نمشي في زحمة البلدة العتيقة في عكا، وكنا اقتربنا من مسجد الجزار، وهالني ان أرى فتيات متبرجات يدخلن المسجد ويخرجن منه فرادى وزرافات (يعني مجموعات). وصرخ التساؤل في رأسي: ما الذي يحدث؟ هل تحول المسجد الى منتزه ام ماذا؟

يجرى الحديث كثيرا عن تنديس المقدسات الاسلامية مثل المقابر والمساجد على يد اليهود ممن لا يحترمون تاريخ شعب شرد عن ارضه. ولكن ان نقوم نحن بايذاء مساجدنا بهذه الطريقة، فهذا أمر مخجل، بل أكثر من ذلك، إنه يعبر عن فراغ ينبش انيابه فينا.

فراغ ينبش أنيابه فينا
قبل سنة، وفي المسجد الاقصى المبارك، وبعد صلاة عيد الأضحى المبارك، استعجلت امرأة المغادرة، امسكت بها وقلت ان سماع الخطبة من السنة النبوية. لم تهتم، قالت انها تريد زيارة قبر اخيها، فهذه عادة تقوم بها كل عيد، ومن غير الممكن ان تمر عيد دون هذه الزيارة. قلت لها ان زيارة القبور محرمة واذا ارادت ان تدعو لاخيها فيمكنها ان تفعل ذلك دائما وليس في ايام العيد فقط. سكتت المرأة قليلا ثم قالت: اتعرفين ان امي لم تغفل زيارة قبر اخي سنين طويلة؟ حتى ان رجلها كسرت في المقبرة في احد الاعياد الماطرة، وهي تصر على زيارته.

وجدت في هذا فرصة لاقول لها: "انها عبرة لها ولك ايضا...."، ولم تسمع لبقية الجملة حتى سارعت للذهاب.
وبينما كان الإمام غارقا في في خطبته، كانت النساء ينتشرن هنا وهناك، ويعايدن. اما مضمون الخطبة فهو تكرار لا يعبر عن احتياجات الشارع. تحليل سياسي للاحداث التي تبدو وكانها متشابهة ولا تاتي بجديد.
حتى هذه السنة، نفس التصرفات، نفس الخطبة وكاننا ندور حول أنفسنا.

صراع.. خيارين.. وعشرات الهويات
عندما استفاقت شهرزاد من سباتها الطويل، كانت لا تزال تفكر في اخيار واحد من شيئين: ان تكون جزءا من المنظومة الاجتماعية بكل سلبياتها وقليل ايجابياتها، واما ان تبقى كما هي خارج المكان وخارج الزمان، وان تفعل ما تراه مناسبا.ولا يزال الاختيار صعبا، فيما الفجوة تزيد.
في فلسطين الهوية مرتبطة بالمكان، هوية المكان تؤثر على هوية الفرد، نظرته إلى الأمور وإلى ذاته محكومة بالمكان الذي يعيش فيه. عندما نقول الجليل، المثلث، الضفة الغربية، القدس، غزة والنقب ومدن الساحل نجد وفرة في الهويات المحلية وربما نجد العصبية للقرية أو المدينة على حساب هوية جماعية. بينما هجمة شرسة لا يمكن تجاهلها تأتينا من الاسرائيليين صناع قرار وجمهور، هم كأنهم واحد، ونحن كأننا فتات لواحد...

اشعر الان بحاجة للتوقف والتفكير قليلا قبل السير مجددا.

09‏/12‏/2008

الويل للمتفرجين وتجار المواقف!






لا شيء يشبه الحقيقة. كل ما اتمناه ان اقترب من الحقيقة اكثر فاكثر. ولكنها تحرق مثل الشمس في صيف حار.
في احد الايام وجدت شهرزاد نفسها في معركة لم تكن لها في حسبان. فالملك شهريار كان يذبح النساء بعد ان يكن زوجاته لليلة واحدة فقط. شهريار كان يريد ان يطفئ نارا من حقد وحزن تشتعل في داخله بعد خيانة زوجته له.
وتلاحظ فاطمة المرنيسي في مقدمة كتابها "شهرزاد تسافر الى الغرب" ان المعرفة هي التي انقذت شهرزاد من الموت. ولولا مطالعتها لتاريخ الملوك واخبارهم لما استطاعت ان تنسج قصصا خيالية جذبت الملك لألف ليلة وليلة.


الويل للمتفرجين!
عاموس رجل في الخمسين من عمره، عاش طفولته وشبابه في عائلة يهودية متدينة. كان مستوطنا تعلم في مدرسة يهودية تعاليم التلمود لمدة اربع سنوات. له اليوم اربع اولاد كلهم متدينون ويرون في فلسطين ارض ميعادهم.
وبعد ان درس وتعلم سنوات طويلة كل ما يتعلق بقتل اليهود في المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وصل الى استنتاج مفاده: "الويل لنا ان بقينا متفرجين!"، ويقصد المتفرجين من الألمان واليهود والأوروبين الذي نظروا الى قتل اليهود وغيرهم دون ان يقوموا بأي فعل، ليس فقط في الحرب بل ايضا من خلال السكوت على القوانين العنصرية التي سنت قبل الحرب لتمهد عزل اليهود عن المجتمع. واوصلته هذه النتيجة الى ترك اليهودية وربما كان هذا سببا ايضا في طلاقه من زوجته وابتعاده عن اولاده.
عاموس اليوم يشارك في مجموعة يهودية لدعم الفلسطينيين في الخليل. ويقول: اعرف اني لا اقدم شيئا يغير الواقع. حيث ان الاحتلال مدعوم بدولة تؤيد المستوطنين وتمدهم بالقوة من اجل ان يبقوا ويتوسعوا. وصلت اليوم الى قناعة انه لا يمكن تقسيم هذه الارض الى دولتين لشعبين. هذه ارض واحدة سيعيش عليها شعبان، لا اعرف كيف ولكن هذا ما سيكون. وكل محاولة لتقسيم البلاد ستبوء بالفشل.
استحضرت عاموس في مدونتي حتى اؤكد ان طرح دولتين لشعبين الذي يرفعه كثير من العرب والفلسطينيين هو ذر غبار في العيون. وكما سبق اليهود في تقسيم البلاد، فهم الان يسبقون كثيرا من العرب الذين يلحون بشعار دولتين لشعبين ولا يعلمون انهم بذلك يفرطون في حق لهم، وليس هذا فقط بل انهم يطرحون حلا غير واقعي.

الويل لمن يسمع ويقرأ ولا يفكر!
قال لها في مكالمة هاتفية: انت ساذجة، كل ما يريده العرب هو ان تموتي. يوما ما ستعرفين ذلك وستتخلين عن افكارك.
قالت له بصوت يغويه لابداء رايه: ولكني اعرف عربا لا يريدون موتي.
اجابها بغيظ: يمكن ان يكون هناك عرب جيدون ولكنهم قلة ولا يمثلون غير انفسهم.
انهت المكالمة ونظرت اليّ قائلة: أترين، دائما نصل الى هذه النتيجة. صديقي عوفر يمثّل اغلبية اليهود في البلاد. وانا لا استطيع اقناعه. ولكني على أمل ان استطيع اقناع اولادي بافكاري.
نظرت اليها طويلا قبل ان أقول: صعب... صعب!!

الويل للمفتونين!
وفي برنامج صباحي في راديو غاليه تساهل "صوت الجيش الاسرائيلي" عرضت مسرحية بين رجلين احدهما تقمص شخصية الخميني الايراني والآخر شخصية أوباما الامريكي ليعكس نظر كل من الطرفين في مفاوضات مستقبلية بينهما.
قال الممثل اليهودي الايراني ان ايران تتمسك بالتجارب النووية من اجل توليد الطاقة، بينما شدد الامريكي بلكنته الامريكية العبرية على ان ايران إما معنا أو عدونا ولا حل آخر لهذا الموقف. ولكن ما يلفت الانتباه الى ان ممثل الخميني قال بانه يجب ان يكون استفتاء في فلسطين من اجل مستقبل البلاد، اما ان تكون دولة اسلامية او شيء اخر. ووقتها فعلا تساءلت: لو صار مثل هذا الاستفتاء فماذا سيقول الفلسطينيون؟ هل سينادون بدولة اسلامية؟
وتسارعت الى ذاكرتي اصوات واحتجاجات اهالي لمعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية بسبب التزامهم الديني وكيف انهم يعذبون بالنار والحديد. ومن جهة اخرى تناهى الى سمعي ادعاءات تنم عن عدم ثقة بين المحسوبين على فتح بحماس، والحرب الاعلامية بين الطرفين من خلال قناة الاقصى وتلفزيون فلسطين. ووصل الامر الى درجة ان من يصلي لم يعد مسلما في نظر البعض بل حمساوي!!

الويل لمن لا يملك علما وموقفا!
بدأت بالحديث عن المرأة والمعرفة لأجد نفسي في ظل صراع محموم ليس بيني وبين الآخر اليهودي فقط، بل أيضا بين الأخوة أنفسهم. حيث تختلط ألوان الطيف لتشمل الابيض والأسود، الرمادي، الزهري، الأحمر، الأخضر، الأزرق، البرتقالي والليلكي وكثير من الألوان الشفافة التي لا ترى بالعين المجردة لأنها لا تملك المعرفة من أجل أن يكون لها موقف.
ولمن لا يزال يتسائل هل أكتب واقعا أم خيالا؟
أقول: أكتب واقعا. أحداثا أفكارا حقيقية، ولم أصل الى ترف الفكر حتى أتخيل لأكتب.


رسائل لم تصل بعد



كثيرة هي الأفكار التي تجتاحني في هذا الشتاء. شتاء بلا امطار كثيرة. شتاء غريب. تعكس غرابته غرابتنا أيضا في النظر الى الاشياء والناس والإحساس بهم.

زيف المواقف
في حوار ساخن في مجموعة نقاش مع مربين يهود. قالت مربية فلسطينية واسمها مرام: "ادرس اللغة العربية لأطفال عرب ويهود في الصف الأل الابتدائي في مدرسة ثنائية اللغة في القدس. مدرسة معروفة. في أحد الأيام توجهت لي إحدى المدرسات اليهوديات في المدرسة وهي أم لطالب يدرس في الصف الأول وقالت لي: كيف يمكن لي ان اجعل ابني ينسى اللغة العربية؟ فهو يرطن بكلمات عربية في البيت. لا اريده ان يصبح عربيا؟!"
مرام كانت في حالة من الصدمة عندما سمعت هذا الكلام. ولكنها تمالكت نفسها وقالت: وما المشكلة في ان يكون ابنك عربيا؟ الام اليهودية التي كانت فعلا قلقلة على مستقبلها في المدرسة، كمربية حاولت ان تتهرب من الاجابة، وقالت انها تريد ان يكون ابنها يهوديا وعبريا. نعم جئت به الى مدرسة مختلطة ولكن ليس الى درجة ان يذوب في الاخر.
قالت مرام: ادرس في مدرسة يدعي كل من فيها ايمانه بالسلام والتآلف بين الشعوب في المنطقة، وينظرون لذلك. ولكن في واقع الحال تعكس مثل هذه المواقف حقيقة هؤلاء.
ولا تتمالك مرام نفسها لتضيف: ولهذه المدرسة احتفالات تميزها عن غيرها من المدارس، حيث أنها تذكر الاحداث التاريخية وتحتفل بالاعياد الدينية الخاصة بالشعبين العربي واليهودي على مدار السنة. ويعتبر يوم النكبة من اصعب الايام عليّ. حيث اني اشرح لطلاب صفي من العرب واليهود معنى النكبة، المفتاح، البيت، الزيتون وغير ذلك من الامور حتى يفهموا معنى اللجوء.
تسكت مرام قليلا لتتابع: وفي هذه اللحظات اشعر باني اقف امام جيل يهودي بالغ، وفجاة يتحول الاطفال بكل براءتهم الى مدافعين عن الصهيونية. وطبعا هذا بسبب اهاليهم الذين يعلمونهم في البيت كل ما يناقض النكبة ويغرسون فيهم ان هذه ارضهم من الفي عام.
مرام لا تعرف ان كانت حقا تؤثر في هؤلاء الاطفال. ولكنها تذكر جيدا ما حدث لها يوم "الاستقلال" عند اليهود، حيث طلبت منها احدى المدرسات اليهوديات ان تحمل علم اسرائيل لتريه للاطفال العرب. مرام رفضت هذا الطلب الذي فيه من الاساءة ما فيه. وقالت: لماذا احمل علما ليس لي ولا يعبر عني. لدي علم فلسطين سأعرف عليه طلاب الصف.
قلت لمرام: نحتاجك في مدارسنا. اتركي هذه المدرسة. لدينا جيل بحاجة الى تربية فريدة. يريدون في اسرائيل ان يتعلموا اللغة العربية ليحاربونا فيها.
قالت موجهة النقاش اليهودية: وما المشكلة في ان تخاف الام اليهودية على ابنها ان يتعلم العربية؟
قالت مرام: اذن لتذهب الى مدرسة اخرى ولكن لا ان تدعي بانها تؤمن بشيئ وتفعل نقيضه.
ردت الموجهة: لا ارى تناقضا بين الايمان بشيئ وفعل ضده.
قال علاء: العرب يجب ان يتعلموا العربية والعبرية ولكن ليس للحديث بها في البيت وكذلك اليهود.
قلت بالعربية ورفضت ان يترجم قولي: هذا استغلال. وهذا نفاق. لا استطيع ان اتصور احدا يستطيع ان يظهر غير ما يبطن الا منافق. ولا يمكن الوثوق باحد يفكر ويتصرف بهذه الطريقة.

مسلم ويتحول..
وفي حديث آخر مع شاب مقدسي، مسلم ولكنه قفز عن الاسلام، واصبح لا يؤمن بالديانات. يشكك بالقرآن والسنة. ويقول انه يؤمن بان لا اله الا الله. هذا الشاب وساعطيه اسم المتحول، يعكس ظاهرة. مقدسي، يعيش الصراع يوميا مع الاخر اليهودي الاسرائيلي، ولمنه يتفاخر كونه يعرف اصدقاء يهود لمدة اربع سنوات يبوح لهم بمكنونات قلبه التي لا يقولها لغيرهم من بني آدم. يعني اصدقاء للعظم. ويبدو ان هذه الصداقة جعلته ينظر الى الامور بطريقة جدا مختلفة. يعني لا مشكلة لديه مع المثليين، "ليعيشوا كما يريدون، واذا ارادوا ان يرعوا اطفالا من بيوت ايتام، فاليفعلوا. فهذا من خياراتهم".
ويبدو ان المتحول يعتبر هذه القضية هامة من الدرجة الاولى للتعبير عن "تحضر" اصبح يؤمن به. بينما يهاجم بكل قوته الاسلام، ويتحدث عن تاريخ الاسلام وكانه تاريخ عن رجال قضوا اوقاتهم وهم في احضان النساء، مثنى وثلاث ورباع وما ملكت ايمان المسلمين. ويرفض المتحول بكل حزم ان يسمع عن حضارة الاسلام وانجازاته في العالم، على اعتبار انها ماض سحيق غارق في القدم، لا يفيد في شيء.

يمكن الرد وباساليب عديدة وعلمية على ادعاءات المتحول. ولكن الذي يلفت نظري في هذا الحوار الذي تحول الى معركة شبه طاحنة بيني وبينه، هو ان الشاب كان يعيش صراعا بين عقيدة اسلامية وبين فوضى يعيشها اليوم مع اصحابه اليهود. فالعقيدة الاسلامية تنظم امور العبد وعلاقته بربه، ولكنها في الوقت ذاته غير مطبقة تماما وتخضع الى تجارب هنا وهناك في ظل عدم وجود دولة اسلامية. بينما فوضى الرغبات و"الاختيارات" التي يعيشها مجتمع اللاعقيدة فلا يحكمه حد او رادع الهي، الا ما يسمونه "الضمير" ولكنه ايضا غير موضوعي ويمكن ان يقود الى تغليب المصالح على القيم والتبرير لذلك. وفي نفس الوقت تدعم منظومة الافكار هذه قوة سياسية واقتصادية اكاديمية وفكرية.

رسائل لم تكتب بعد..
الرسائل التي لم تكتب بعد هي الرسائل التي يعبر فيها الكاتب عن تعاطفه وفهمه وحبه. وليست تلك التي يبدو فيها غير مبال بينما هو يكتوي بالضعف.
وفي حوار بين رجل وامرأة، يعاني الرجل من فائض من التوقعات من شريكة حياته. وتعاني المرأة من اختزال المواقف في كلمتي نعم ولا.
تتميز بعض العلاقات بكون الرجل يطالب دائما والمرأة تنفذ دائما. او العكس فهي تطلب وهو ينفذ. دون ان يقول احد للآخر هنا يقف حدي. يخاف كل منهما على فقدان الاخر. ولا يعلمان انه اذا لم يتعلما كيفية التعامل مع المتوقعات والطلبات فانهما سيقولان كثيرا: مللت. وسيقولانها وهما يمتلآن حسرة على لحظات جميلة كان يمكن ان تكون.. ولكنها ضاعت في ظل المراوحة بين نعم ولا.




ليلة الريش



في هذه الأيام أقرأ روايات عربية. لا اكاد افرغ من واحدة حتى أقرأ الاخرى. تتيح لي الروايات امكانية قراءة الواقع العربي، والوصول الى اماكن لا استطيع الوصول اليها جسديا بسبب جواز سفري العقيم الذي يسمح لي بزيارة مصر والاردن والمغرب من الدول العربية، بينما احرم من زيارة بقية وطني العربي والاسلامي.

ومن الطبيعي جدا كوننا لا نستطيع الوصول الى كل مكان. ولا الحديث مع كل شخص نراه ويهمنا ان نسمع رأيه في الواقع حتى ولو كانت لدى كل واحد منا طائرة، تعمل بالطاقة الشمسية، يسافر بها حول العالم يوميا بلا كلل ولا راحة بال. وهنا وفي هذه النقطة بالذات، نستطيع ان نمسك بكتاب او رواية ونقرأ فنتعرف. صحيح ان المعرفة جزئية وهي تخضع للكاتب وكيف يرى الكائنات والحياة، ولكنها قراءة للواقع وكيف يتلمسه، وخاصة ان كان كاتبا ذا حساسية لواقعه.

بين المثالية والواقعية

ويمكن اعتبار رواية ليلة الريش من عام 2004 للكاتب الأردني جمال ناجي رواية واقعية. واريد هنا ان اميز بين الروايات التقليدية التي عرفناها من منتصف القرن العشرين وحتى التسعينات منه وبين روايات اواخر التسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين. فالروايات التقليدية كانت تعرض المرغوب به، كانت في معظمها مثالية الطرح، البطل فيها لا شبيه له في الواقع. بينما الروايات الاخرى وهي روايات ما بعد الحداثة فانها تعكس الواقع كما هو. تكشف العيوب حتى بين الشخصيات في الرواية كما يحدث في الواقع. فشخصيات الرواية الحالية ليست ساذجة كما كانت من قبل.
ليلة الريش، هي الليلة التي اطلق فيها النار الحاج محمود على طيور البوم التي عششت في حديقة قصره. الليلة التي انكسرت فيها موازين قوته وسطوته، وهي ذاتها الليلة التي تحولت فيها السيطرة الى رجل آخر، وهو ابنه رجب، رجل الارقام والحواسيب.
ليلة ليست ككل ليلة تمر على مدينة ينمو فيها بنك مركزي وتجثم فيها بنايته وكأنه عملاق لا يريد ان يتحرك. عندما قرائتي للرواية توقعت ان تكون هذه المدينة عمان، ربما لان الكاتب اردني، ومع الوقت رايت عمان وانا اقرا الرواية التي تشهد على الناس في عالم يموج بالبحث عن المال والسلطة.
يتخلص رجب، رجل الارقام، رجل لا تهزه النساء الجميلات، من جيل الخردة وهم الموظفون الذين لا يعرفون التعامل مع الحواسيب ويستبدلهم بموظفين لا يرتدون البدلات الرسمية ولكنهم يهمتون بعملهم، فلا تغريهم المكائد ولا التذلل للمسؤولين.
وبينما تريد واحة، فتاة جميلة ذات عقل، ان تتقرب من رجب بناء على طلب أمه، تنكشف امام الرجل الرقمي، ولا تنتهي القصة بحب يربط بين اثنين، او بخيبة امل او بزواج. انما بمصلحة تربط بين رجل وامرأة. مصلحة العمل. رجب يفكر في واحة ويقول لنفسه انها تفيده كموظفة بدلا من زوجة. اما جابر ابن الخمسين الذي احب واحة، دون ان يقول لها هذه الكلمة وكانها مفهومة ضمنا، وجد نفسه رئيسا لهيئة الموظفين من اجل المطالبة بحقوقهم. وفي النهاية وبعد ان يحصل الموظفون على زيادات في اجورهم فانهم يتراجعون عن مطالبهم بل ويبالغون في التذلل الى ادارة البنك.

الراسمالية هي المراة
عندما تقرأ ليلة الريش فإنك ترى كيف تتفشى الرأسمالية في مدينة عربية، وكيف تتحول القيم، وتتغير مفاهيم الناس اليومية. كيف يسيطر الحاسوب على المجتمع ويصبح رجال الحاسوب ابطالا لانهم يستطيعون ان يكتشفوا وبسرعة النفاق الاجتماعي.
اما الاعيب النساء فانها مكشوفة دائما في هذه الرواية. فلا نجد غواية امرأة، ولا غموضا، وكان الكائنات اصبحت ارقاما ومعادلات. اما المشاعر فليست عذراء.
ربما هكذا اصبحنا دون ان ندري.





02‏/12‏/2008

عندما ماتت حكمت.. اصبح الكل مسرحية


أزقة متعرجة، ضيقة وحزينة توصلك الى بيت كفاح وعائلتها في مخيم قلنديا للاجئين. ويقبع هذا المخيم على بعد امتار من حاجز قلنديا العسكري. كما ويحاصره جدار الفصل العنصري ويفصله عن بقية القدس. وكأن مأساة العزل واللجوء لا تكتمل إلا بمأساة أكبر وهي الفقدان.

فقدت كفاح أمها...في الاسبوع الماضي واثناء مداهمة ليلية لجيش الاحتلال الاسرائيلي لبيت العائلة في الثانية والنصف ليلا. لم تمت الأم نتيجة لإطلاق الرصاص أو الضرب المبرح كما يمكن أن يحدث عادة، بل ماتت نتيجة لإصابتها بنوبة قلبية نتيجة للتعذيب النفسي الذي تعرضت له هي وبناتها من الجنود الاسرائيليين لأكثر من ثلاث ساعات متواصلة. ماتت حكمت وهي في 46 من عمرها، لتترك وراءها عائلة يعلم الله متى ستندمل جراحها.
في بيت العائلة، تجمعت الأخوات والمعزيات من المخيم، كان صمت تكسره بعض الابتسامات الواهية. وبدات كفاح تحكي عن الليلة التي غيرت كل حياتها.

قالت كفاح
"داهمنا الجيش في الليل، فتحوا الباب وكأن معهم مفتاح، هكذا بلا كسر أو خلع مثل اللصوص، تفاجئنا بوجودهم في قلب اليبت، خرجت من غرفتي لأقول لهم: تمهلوا علينا قليلا، فلا رجل في البيت. قلت لهم: أبي يعمل حارسا، وأخوتي متزوجون كل في بيته. لم يكترثوا بي.
أخذوا أمي وأخذوا باستجوابها. كانت أمي خائفة على أولادها. مع ان اخوتي اعتقلوا سابقا، لي اخ اعتقل وهو في ال 15 من عمره. ولكن هذه المرة تختلف. مع كثرة الاسئلة والاجوبة والصراخ عليها، بدأت أمي تنهار، كنت اريد التخفيف عنها ولكن الجنود منعوني. كانوا يتغامزون عليها ويتحدثون باللغة العبرية التي لا نعرفها... طلبوا مني ان أرافقهم لبيت أخي القريب.. لم أخف.. فأنا متعودة على اساليبهم، ذهبت في الزقاق الذي أعرفه جيدا، كان وراءي جندي يتلفت يمنة ويسرة، كانوا خائفين، أنا أعرف طريقي ولكنهم لا يعرفون أين يذهبون.
طرقت الباب، وبهدوء ابلغت أخي أن الجيش عنا في الدار ويريدونه. ولا داعي لان يخاف. تبعنا الى المنزل وهناك أعتقل ووضع في دورية عسكرية وبدلا منه أدخل بعض الشباب المعتقلين الى البيت، في غرفة لا نرى من مكاننا من هم.
امي داهمها الخوف، وسألت الجندي اي من ابناءي تريدون الاعتقال؟ فصرخ فيها الجندي صرخت جعلت الدم يتجمد في عروقها. كانت أمي مرعوبة، وكنت أحاول التخفيف عنها. قال الجنود أنهم يريدون تفتيش المنزل، كانوا يعرفون العربية، يفهمونها متى يشاؤون ويتجاهلون استفساراتنا متى يشاؤون.
مرة اطفأوا الكهرباء وبدأوا يجهزون السلاح، وكانت السلاح يصدر اصواتا وكانهم مستعدون لعمل مذبحة في البيت. هذا غير الشتائم والالفاظ البذيئة حيث اني صرخت فيهم: هذه البذاءات لا تقولوها في بيتنا، نحن لا نسمح بهذا الكلام.

حينما يتحول الوجع الى سخرية مريرة
دخل جندي غرفة والديّ، وبدأت انقل لأمي المشهد وأنا أسخر من الوضع، قلت لها: أنظري يقلب الجندي فرشة السرير.. هل يريد النوم تحتها؟!! وعندما أخذ الجندي كيس الاوراق الخاصة بأمي وفيها صور شخصية وبعض الاوراق، قلت لأمي أنظري يريد اوراقك، ربما أرادوا اعتقالك يا حجة.. حضري حالك!!!
انتبه الجندي إلينا فأغلق الباب، فنظرت الى امي مبتسمة: ها هي الرؤية متعذرة، اغلقوا المشهد!!
عرفت انهم سيفتشون غرفتي أيضا، بادرت واخذت أغراضي الخاصة وقلت للجندي: عندما تكون في بيتك ويأتيك غريب فإنك ترفض إعطاءه أغراضك الخاصة. وهذه رزمة اوراقي الخاصة ولدينا بعض المال نريده معنا. فتح وقرأ أوراقي. كانت رسائل من خطيبي عاهد وهو في سجن النقب. قلب الاوراق، واعطاني الرزمة.

قالت كفاح: "عندما اغمي على أمي في فرشتي.. عرفت انها ماتت.. وما بعد ذلك اصبح مسرحية"
وبدأت حالة أمي بالتدهور، بعد حوالي الساعة من اقتحام الجنود للبيت. جف ريقها. قلت للجندي: امي مريضة، أريد استدعاء طبيب لها. قال لي: اسقيها ماء. وبقيت أمي تشرب الماء كانت تسير في البيت ومعها قنينة ماء تشربها. اجتمع عليها الضغط والسكري والمداهمة والخوف معا. كانت تبدو في حالة انهيار. وبعد محاولات لاقناعهم بضرورة استدعاء طبيب. استدعي جندي قيل انه طبيب، نظر الى امي المتعبة وقال بلا مبالاة: اسقوها ماء!!
وبعد أن اغمي على أمي وكانت في فرشتي، لم أعد استطيع، صرخت في وجه الجندي، اريد طبيبا لأمي، هناك طبيب في المخيم. وخرجت الى بيت الطبيب، لم اكن أمشي بل كان قلبي.

عندما اغمي على امي وهي ممدة في فراشي، عرفت ان امي قد ماتت، وكنت أحاول أن أفعل أي شيء، لابما يعيدها للحياة. قلبي كان يسبقي الى بيت الطبيب، وكانت أم الطبيب تتوضأ لصلاة الفجر. لم اتمالك نفسي بعد ان طرقت باب البيت مستنجدة بها وبابنها: الجيش عندنا في البيت وامي تعبانة. وبعد ماضرة في الاخلاق وطرق دق الابواب على الناس النايمين، طننت انها استمرت لساعات، اشارت الجارة لي ان بيت ابنها في الطابق العلوي. فطرقت بابه. وخرج لي وبعد سؤال وجواب وتحريات قلت له: تعال بسرعة امي تموت واخذنا لك الإذن من الجنود.
ومرت دقائق حسبتها ساعات طويلة، خرج فيها الطبيب وهو في بدلة رسمية وكأنه ذاهب الى مؤتمر طبي. سبقته الى البيت. وعلى عتبة البيت، كانت أمي ممدة، وكان الجندي "الطبيب" يجري لها تفسا اصطناعيا عبثا. ومأساة طبيبنا أنه فتح حقيبته ليتبين له أنه نسي عدة الاسعاف، فذهب الى بيته متثاقلا.
كنت اعرف في قرارة نفسي، ان أمي ميتة. وان كل ما يتبع موتها مسرحية. طلبنا سيارة الاسعاف، ولم تأت الا بشق الانفس. كانت أمي جثة في بيتنا. امي التي كانت تملئ البيت حنانا، وفيها طفولة بريئة تخفيها أمهات كثيرات. أبي هجر غرفتهما وقال: أصبحت الغرفة كبيرة عليّ.

امي اسمها حكمت
امي اسمها حكمت. في الليل اقول ماما ماما. أناديها، أشعر أنها معي الآن. أختي آية تصبرني وتقول ان لا داعي للحديث.
جنازتها كانت "بتجنن". حضرها مئات من المخيم وخارجه. عندما زرت قبرها الطري، كنت اتحدث معها ولحست ترابها، كان له طعم يجعله يؤكل.
لأمي جارة عزيزة عليها، كانت تقول وهي في دار العزاء: قومي أم السعيد لنذهب الى بيتنا. وأم السعيد كانت أمي المتوفاة ولكنها لم تنتبه الى أنها تتحدث مع أمراة غير موجودة.
ماتت أمي، واحتسبها عند الله شهيدة. صورتها في البوستر المعلق في الصالون جميلة جدا. كنت اتصور سابقا اني احقد على اسرائيل. ولكني اليوم اعرف معنى الحقد بالحقيقة. واتمنى لهم ان يفقدوا امهاتهم بهذه الطريقة، ولكن هل توجد لهم عواطف؟ هل توجد لهم امهات؟ لو كانوا يعرفون معنى الأم، لما قتلوا أمي بهذه الطريقة الباردة.
أريد ان تذهب قضيتي هذه الى محكمة اسرائيلية، لأمثل أمامهم المشهد حرفيا، ولكن هل سيفهمون؟

أمي ماتت. واعتقل اخي محمد في بيته في بيتونيا، يقولون ان ذلك بتهمة حيازته للسلاح. مع انه يعمل في شرطة رام الله وسلاحه مرخص. زوجته كانت في بداية حملها واجهضت بسبب الرعب الذي دب في عروقها عندما اخذوه من البيت. فما الداعي لان يكونوا عندنا اذا اخذوا من يريدون؟
وللعميل الذي سلّم المعلومات الخاطئة عن مكان تواجد أخي يجب أن يتحمل المسؤولية!!! عيب عليه ما فعل. انه على الاكيد ليس واحدا منا. لا احد يخون وطنه ويستحق ان يعيش.

01‏/12‏/2008

قبل ان ادخل تفاصيل نقاش ساخن

هدأ غضبي الآن، ويمكنني أن أقول أني كنت متوترة خلال الأسبوع الماضي. وبالتحديد يوم الثلاثاء الماضي إثر نقاش عاصف مع مجموعة يهودية.
و لم اكن الوحيدة في هذا النقاش، كانت معي مرام، وهي مربية تعمل في مدرسة مختلطة لتعليم اليهود والفلسطينيين وتنادي بالسلام والوئام، ولكن كما سيتضح لكم لاحقا فإن هذه المدرسة ليست سوى بوقا، ومن يدخلها لا يدخلها الا لمصلحة ولشيء في نفسه.
وعلاء ايضا مدرس من قرية أبو غوش، وهو قيادي في القرية التي تشهد تطورات مهمة من ناحية الانتماء الوطني. فعلى مدى سنوات حكم القرية الجيل القديم الذي يوالي السلطة الاسرائيلية ويفاخر كون القرية لم تحتل عام 1948، للاسف لان مخاتيرها سلموها لليهود.
وعاشت القرية في عزلة عما حولها من القرى الفلسطينية، لبعدها عن التجمعات الفلسطينية في مركز القدس العربية، وهي على الرغم من محاذاتها لقرى لشمال غرب القدس مثل: قطنة، بيت عنان، وبدو وغيرها من القرى التي يحيطها جدار العزل والفصل، الا ان اهلها اتصفوا بانعزالهم عن وسطهم الفلسطيني.
وشباب قرية ابو غوش اليوم، وبالذات الجيل الجديد اصبح يطور له شخصيته العربية وانتماءه الفلسطيني، وفي هذا ذاته تقدم بادر اليه الجيل الشاب من القرية.

يتبع...