31‏/07‏/2011

سهم في القلب واخر في الذاكرة




سهام تصيبني، من كل مكان. سهام من مطر. نعم مطر في ظل هذا الحر الشديد. سهام تشعرني بالحياة من جديد. صديقتي فهمت السر وضحكت. ضحكت أنا أيضا، هل يمكن للسهام أن تصيب القلب بهذه الطريقة وبدلا من أن تقتله، تفعل العكس، هذه السهام (وهو تعبير مجازي) تحيي القلب من جديد.

كنت في النقب مؤخرا، لم تكن المقابلات مع الشيوخ بالسهلة واللينة. أعوام مضت وتاريخ ولّى. أشعر بالمسؤولية وأنا أحفر في تاريخ وطني وتاريخهم، كان هذا لقاءا بين التاريخ الشخصي والجمعي. كنت أتسائل: "كيف أنقذهم من سهم الذكريات؟" ولم أستطع أن أسالهم: "كيف تعيشون مع الذكريات؟".

أراهم، أجلس معهم، واشعر بنفسي أعود الى الوراء، أيام بئر السبع وقضاءها. وكيف كانت تبنى المستوطنات والناس يتساهلون؟

تجولت بين المقاوم الصامد على ارضه، الى خادم في البوليس البريطاني ومنه الى الجيش الاسرائيلي، ومنه الى قصص عن شيوخ يهربون بعشيرتهم خوفا من القتل والذبح. سألت شيخا صمد في أرضه: ما الذي ابقاك والناس يهجرون؟
قال: "قضاء الله ورضى الوالدين". أبوه طلب منه أن يرعى الأرض والبئر وزوجته وبناته، فما كان منه الا ان استجاب لصوت الاب! وفجاة علا صوته وهو يدق على الربابة ويغني للعزة والكرامة!

قالت لي عجوز في الثمانين: "لم نكن نعرف شيئا. ضعوف نحن النساء. لم تهمنا السياسة او التاريخ. كانت حياة المرأة هي زوجها واولادها. لم نعرف صياما ولا صلاة، واذا وصلت أحدنا رسالة من الحكومة، عقّد الى من يعرف القراءة في القبيلة المجاورة". وتسكت المراة وتضيف:" هل انت من طرف الحكومة؟؟"
سهام غريبة مجازا وحقيقة، في القلب جرح لم يندمل قط. وها أنا استدعي كل السهام حتى تصيبه!!

19‏/07‏/2011

عجوز، خيل ناقة وأرض، في نفق الزمن!

لا أستطيع أن أصف حالة الإنبهار التي أصابتني وأنا أنظر إليه وهو يتكلم. كنت أحاول أن ألتقط كل كلمة يقولها. شعرت أن أمامي رجلا يخرج من التاريخ. له ذاكرة مرنة إلى حد يثير الإعجاب. ينتقل بين الأحداث والتواريخ، ويصلي على النبي بين كل فكرة وأخرى يقولها.



كنت في مدينة رهط البدوية في النقب في جنوب فلسطين، وكنت أقابل شيخا من عشيرة الجعافرة في التسعين من عمره. خفيف الظل، بجلابيته البيضاء ناصعة البياض والحطة البيضاء مع العقال الأسود. كانت بيده عصا يسير بها أو تسير به، وعلى وعينيه نظارة شفافة كبيرة الحجم. تحدث الرجل بالعامية البدوية، فهمت أغلب ما قال، إلا أني لم أتردد في الإستفسار عن أي مصطلح لا أفهمه.



كنا في الشّق وهو ليس من الشعر بل عبارة عن غرفة فيها سرير وبعض الكنبات، وفيه تجتمع العائلة ويتم استقبال الضيوف. زميلتي طالبة بدوية من النقب قالت لي: من غير المقبول هنا أن تدخل النساء الشّق، لكننا سنفعل ذلك بسبب البحث العلمي.


ضحكت وأنا أتذكر حالات كثيرة دخلت فيها الشق وكنت المرأة الوحيدة بين رجال، كانوا يقولون لي أو لأنفسهم: لا بأس فأنت أخت رجال!!




يستعرض الرجل، الذي رفض تصويره، مقتطفات من ذاكرته، وهي أيضا ذاكرة شعب هجر من أرضه. سرحت لوهلة وهو يتحدث عن الخيل والفروسية، شعرت بأني أخرج إلى تاريخ آخر، فروسية!!


ولم تكن الفروسية هي التي استوقفت خيالي بل أخلاق الفارس. هل أكون متشائمة أم واقعية إذا قلت أن المجتمع قد خلى من أخلاق الفارس؟

ويتحدث الرجل عن الإعتداء عليهم من قبل المرتزقة من الهجاناه، نعم في نفس الموقع الذي جلسنا فيه، كنت أسمع صوت إطلاق نار يخرج من الزمان والمكان ويرتمي بين ذراعيه وقدميه بينما كانت زوجته وبناته الثلاث يرتجفن من الخوف. قال العجوز: كيف يحارب صاحب العصا جنديا تدرب على السلاح؟


كانت هذه جملته التي لخصت حرب سنة 1948.



وماذا عن الأرض التي فقدت؟ كان أحد سماسرة الأراضي يعاون الكيان الصهيوني الذي أقيم على استلام الاراضي. ولم يرد العجوز أن يطيل الحديث هنا. ولكنه وبعد إلحاحي قال: "لقد عرفوا انه كاذب ونسب إلى نفسه ملكية أراض لم تكن له، ولكنهم كانوا بحاجة إلى من يسلمهم الأرض".



أما عن الحميت، فالخاسر فقط من لا يعرف الفائدة من شربه، وهو دهن الناقة الذي يذوّب ويشرب على الريق!

04‏/07‏/2011

سؤال وفنجان قهوة

نعم هناك كلام كثير في هذه القهوة. إنها فعلا إنعكاس للمجتمع الذي أعيش به. جنود مع مختلف ألوان بدلهم وبزاتهم، وبنادق طويلة وقصيرة، وتنانير طويلة وقصيرة لنساء متدينات وغير متدينات. وعمال عرب في المقهى، وخاصة في المطبخ، يخرجون بين الفينة والأخرى لتنظيف الطاولات!
هذا هو مجتمع العبيد الذي أعيش فيه، والاحاديث بالصوت العالي، حيث يمكن للمتصنت أن يسمع قصة حياة المرء المتحدث بكل سهولة!! وهذه أمور شائعة جدا هنا، في دولة من المهاجرين واللاجئين اليهود.

كنت أفكر في تكوين مجتمع العبيد هذا. كيف تحولنا نحن الفلسطينيون الى شعب من الشحادين؟ منذ أن سلبت بلادنا منا وربما قبل ذلك، وبقي منا من بقي في بلاده، وهجر من هجر. وكيف تحولنا الى ماديين الى هذه الدرجة؟

إني متعبة لدرجة لا استطيع ان افكر في اجابة واحدة في هذا الظروف التي اعيشها، ربما استطيع التفكير في هذا الامر في وقت اخر.