23‏/02‏/2009

وقفة بين الحياة والموت

أطارد افكاري علّي اصل احداها. المطر يتساقط والغيم يتكاثف في السماء. اشعر بسعادة لا توصف يغمرها حزن لا يوصف. اسير تحت المطر. اتبلل. اشعر بالطهارة تتدفق من كل جانب. كم نحن بحاجة الى هذه الرحمة الالهية. يحيي الله الارض ومن عليها بالماء، وهو قادر على بعثنا بعد الموت.

احاول ان استحضر معنى اسمين من اسماء الله الحسنى وهما المحيي والمميت، وانا استمع لطرقات المطر على زجاج النافذة. الحياة والموت نقيضان ولكنهما يكملان احدهما الاخر، مثل الليل والنهار، لا نعرف احدهما الا اذا عرفنا وعشنا الاخر. مثل النور والظلام. فهل يستطيع احد ان يصف الظلمة دون النور؟

نحن دائما بحاجة الى آخر في حياتنا. لا نستطيع بدونه. الآخر مثل مرآة تعكس الوجه الحقيقي. ولكن هل هناك حقيقة وسط الوهم المتراكم الذي نعيشه مثل غبار او طحلب؟


الحلم

الحياة والموت... وفي هذه اللحظة بالذات يغيب العقل ويحاول ان يتنفس معنى الاشياء، فهل حقا فقدت الحياة كل معانيها؟
قبل سنوات، وبينما انا في لحظة نوم لا اعرف الى اين تنتمي، جاءني هاجس، فكرت اني سأموت والتفت الساق بالساق.. شعرت بانفاسي تزيد في تسارعها، كنت اعتقد اني سأراه، سيأتيني وانا غير جاهزة لهذا اللقاء غير العادي، حاولت الهروب، قلت لنفسي: آه.. لو اعيش بضعة ايام، لكنت اصلحت من نفسي الشيء الكثير. وفتحت عينيّ... كانت ولادتي من جديد.

عندما اذكر الموت في هذه الايام، لا استطيع ان امنع نفسي من ان اتذكر غزة بكل ما فيها من بشر وحيوان وشجر وحجر. كيف استطعت لأيام ان انسى اهلي في تلك المدينة التي تصارع الدمار وآلة الحرب؟ اين دعاءي لاهلها؟ اين انا منها؟
كنت اشعر بالخيانة العميقة والذنب العظيم. كيف ننسى مآسينا بهذه السرعة؟ تساءلت بصوت عال. فقالت لي فاطمة: لا تنسي غزة من الدعاء. كانت وصيتها وكنت أنا في رام الله.



الواقع
- انتم يا من تدّعون القدسية! انتم يا من تسمون انفسكم بشعب الله المختار.. الا تستحون؟؟

قالها احمد وهو يعيش في المنفى الذي اختاره في كندا حتى يستطيع ان يربي اطفاله بعيدا عن شبح الحرب.

واصبحت كندا، مدفنا له ولعائلته في شتاءها القارص والذي يستمر لمدة ستة اشهر. واصبح اهله في غزة خبرا يتابعه على شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد. اهله اصبحوا اصواتا مضطربة في هاتف.

- انتم يا من ترون انفسكم مقدسين.. اف لكم وما تصنعون.

يتعب احمد من الصراخ ويشعر انه غير قادر على فعل شيء.

- ممنوع ان تيأس يا احمد، لديك عائلة وهم بحاجة لك.



الحياة مرة اخرى

موت وحياة مرة اخرى. جيل يغادر العالم بمفاهيمه وخيباته ليحل مكانه جيل جديد. يمكننا ان نحلم بالتغيير وان نربي الجيل الجديد على قيم لم نربى عليها. اعرف ان هذه مهمة صعبة. ولكن الحياة بحاجة الى مطر، ومطرنا اليوم عبارة عن قيم وصياغة جديدة للهوية تكفل للجيل الجديد ان يبدأ مهمة التغيير. ولا ننس ابدا ان هويتنا يجب ان تشمل تعاملا مع الاخر بين ظهرانينا ومع الاخر البعيد جدا عنا.








ليست هناك تعليقات: