14‏/01‏/2009

وجهك لا يزال جميلا يا غزة

بحر غزة الجميل.. هل ترون نور الحرية بعد ظلام الاحتلال كما أراه؟


أريد اليوم ان أكتب أكثر من أي يوم مضى. غادر النوم عيني بعد الفجر، تذكرت إخواني وأخواتي الذين لا ينامون وحرب شعواء تشن عليهم، تذكرتهم وقلت لنفسي: لا نامت عيني وعيونهم لم تعرف الراحة والأمان. فكرت في غزة، المدينة التي احتضنتي وانا فتاة في بداية اكتشافي لهويتي. اريد ان احدثكم عن غزة الجميلة. غزة بلد الناس الطيبين.

ذاكرتي تحمل زيارات ولقاءات مع اخوان وزملاء في بداية الانتفاضة الثانية، بين السنوات 2000 و 2004 من خلال عملي في مجال الصحافة المكتوبة. اكتب الان حتى لا انسى.

ذاكرتي الاولى
اذكر الزيارة الاولى، كان موقف لسيارات غزة في باب العامود، ركبت السيارة وخلال ساعة ونصف كنت عند حاجز ايرز، هناك كان ايضا افواج من الزائرين، انتظرنا ساعات حتى استطعنا الدخول الى المدينة. وكان في انتظارنا حاجز الامن الوطني الفلسطيني، وكانت ابتسامة على محيا رجل الامن الذي رحب بنا في المدينة.

دخلت بداية من بيت حانون وكنت اريد ابتلاع كل شيء بعيني اللتان بحثتا بلهفة عن بقايا هويتي التي تمزقت في عام 1948، وربما قبل ذلك ولكن الهوية تمزقت وكل لاجئ وساكن ومقيم ومشتت فلسطيني وعربي يحمل جزءا منها.

المدينة المزدحمة كانت تستوعب الجميع، اصوات الباعة، والابتسامات التي توزعت على الرغم من الفقر والاكتظاظ، كنت ارى في ناس هذه البلد نوعا من القناعة.

بحر غزة جميل يستعرض حكايا الجدات ويفتح الافق امام اطفال مخيم الشاطئ. انظر الى صورهم وبراءتهم واتسائل: كيف انتم الان؟ وادعو الله ان تبقى ابتسامتكم وتفاؤلكم على الرغم من الالم.
في غزة 2003، بينما الانتفاضة في اوجها، كنت اشعر بالامان على الرغم من ازيز الطائرات. ولا يزال ذلك الموقف الذي جمعنا يداعب ذكرياتي، زميلين من غزة واخرين من مصر، كنا نجلس في ذلك المساء في مجلس ابو الفدا، وكان القمر مكتملا في ليلة صيفية. كنا نتحدث عن فلسطين وكأننا نتحدث عن حورية. كانت فلسطين حاضرة في الوجدان، والكل ينصت الى تداعياتها في داخله.

طريقة غير عادية للاحتجاج
وفي الطريق الطويلة الى رفح، كان طابور السيارات الذي يقف على الحاجز العسكري بلا نهاية. الحر شديد، والعرق يتصبب. ولما لاحت رفح، توجهت الى احدى القرى وعبرت سهلا ممئلا باشجار البلح، لا زلت اذكره بحثا عن قصة غريبة من نوعها، كانت الخضرة تملأ المكان، اسرعت باتجاه احد البيوت لمقابلة رجل عرض ابناءه للبيع احتجاجا على وضعه الاقتصادي السيئ. وقال بعض الجيران ان زوجته تركته بسبب غرابة اطواره. وفي البيت لقيت ابناءه، كانت الابنة الكبرى مراهقة في الرابعة عشر من عمرها، تقوم بعمل الام في البيت، اجابتني على استحياء وعرضت اخاها المعروض للبيع. كانت هذه حادثة طريفة ومؤلمة في ذات الوقت. طرافتها في طريقة الاب غير العادية في التعبير عن الفقر ومؤلمة بسبب الفقر ذاته الذي عرّض خصوصية العائلة للانكشاف.
وبحثت عن الاب لأجده خارجا من جنازة. لم يكن مهيأ للحديث عن بيع طفله، وطلب مني العودة فيما بعد. لم أعد فيما بعد حيث اخذتني الاحداث السياسية الى مكان اخر، وان كنت لا ازال اريد ان اقابل هذه العائلة غير العادية مرة اخرى.

الشجعان والنار
انظر الى الصور التي جمعتها في بعض زياراتي الى غزة ولا استطيع ان امنع عيناي من البكاء. ولا اعرف ما الذي يحدث لهؤلاء الاشخاص الذين قابلتهم في حياتي وقدموا لي كل ما يستطيعونه حتى استطيع الكتابة عنهم. واتذكر زملائي الصحافيين وانا اراهم على شاشات التلفاز يتحدون القتل اليومي من اجل الحقيقة. اشعر بالفخر من اجلهم لانهم معرضون تماما للتصفية مثل القادة السياسين والعسكريين ولكنهم شجعان الى درجة ان الحقيقة تهمهم اكثر من حياتهم.


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

أكثر ما يغريني للقراءة ، هو ذكريات شخص في بلد كان فيها و يشتاقها ، ما بالك عندما يتعلق الأمر بغزّة .. حيث ولدت و حيث سأموت

أظنني وقعتُ على كنز بمجرد وجدت مدوّنتك
سأطيل الجلوس هنا
: )