10‏/01‏/2009

هذا اوان الشد... فاشتدي

غزة تحرّك الضمير العربي والاسلامي. ربما كان بحاجة الى شلال مفتوح للدم كالذي يهدر في غزة لكي نصحو. ولكننا نصحو الآن وكل واحد منا يفكر في واجبه ومسؤولياته ليس فقط تجاه القضية الفلسطينية بل تجاه الاسلام.

أمة محاصرة
غزة لم تنم وسط هذه الهجمة الشرسة لاكثر من اسبوعين، وهي في الحصار منذ زمن بعيد، ليس ذلك منذ ثلاث سنوات (عند تسلم حركة حماس السلطة)، ولن اقول منذ بداية الانتفاضة (2000)، وليس ذلك عند شرعنة الحواجز العسكرية في 1994، وليس وقت الاحتلال في 1967، كما انه ليس عند حرب 1948، وذلك ليس منذ الاحتلال البريطاني في اوائل العشرينات من القرن العشرين، بل منذ سقوط الخلافة الاسلامية العثمانية والغاءها عام 1923 وغزة بل وكل العالم الاسلامي في حصار. حصار فكري وجغرافي يقتل فينا حس الانتماء الى الاسلام الواحد.

غزة اليوم ربما اكثر من اي شيئ اخر وحدتنا. وحدّنا الشعور بأننا مقصرون تجاهك يا غزة، وحّدنا النظر الى الموت عبر الشاشات، والبكاء والدعاء والتأثر بكل هذه البشاعة الحربية الاسرائيلية والدولية (في هذا المقام اضيف الحكام العرب الى الحكام الاجانب على اساس انهم من نفس الصنف ويخدمون نفس المصالح) ومن جهة اخرى الشجاعة الفلسطينية في غزة وفي الشعوب العربية والاجنبية التي قالت لا للظلم والقتل والحصار.

ملامح النصر المبين
لا اكتب الان خطاب النصر في غزة. ولكني على يقين بان كل ما فعلته اسرائيل ومن والاها من العرب والعجم يصب في صالح غزة وفلسطين. وهذا اولا واخرا بفضل الله تعالى وبفضل الصمود والمقاومة في الميدان.
اسرائيل ارادت ايقاع اكبر الخسائر في الارواح والممتلكات من اجل ان تقضي على الروح المعنوية للشعب الفلسطيني ومن اجل اثارة الفتنة بين الفلسطينيين وقادتهم في غزة، حتى يكيلوا الاتهامات لحماس ويسقطوها.

هذا الظن طبعا بالمقاييس الاسرائيلية، حيث ان المجتمع الاسرائيلي مهما بلغت ترسانته العسكرية فهو مجتمع خائف، لا يحب الموت ولا يريد التضحية، كل المناشدات الاسرائيلية لسحب القوات الاسرائيلية في لبنان مثلا كانت بسبب الخسائر في الجنود. ومن خلال متابعة الاعلام الاسرائيلي هذه الايام نجد ان اسرائيل تضلل بالحديث عن الخسائر في الارواح حتى لا تقلب الراي العام ضد الحرب. من ناحية الاسرائيليين طالما لا توجد خسائر في الارواح فلا ضير من قتل اكبر عدد من الفلسطينيين.
وفي الاسبوع الماضي في راديو الجيش الاسرائيلي دار نقاش بين ضابطة في الجيش وهي والمسؤولة عن الاتصال مع اهالي الجنود في حالة اصابتهم او قتلهم، وبين صحافية اسرائيلية نشرت مقابلات مع الاهالي اثناء تلقيهم خبر قتل ذويهم. حيث ادعت الضابطة العسكرية ان مثل هذه المقابلات تضعف الشعب الاسرائيلي. نعم تضعف معنوياته ولا داعي لها. واضافت: اتركوا هذه العائلات في حالها. فهم لا يعرفون ما يقولون وربما بعد ذلك سيندمون على تصريحاتهم. وحاولت الضابطة ان تقلل من اهمية نشر هذه المقابلات على اعتبار انها شأن عائلي لا دخل للجمهور فيها.
اما الصحافية فقد اعترضت على هذا النوع من الرقابة العسكرية وقالت ان الاهالي يريدون الحديث عن فقدان الجنود من خلال وسائل الاعلام.
وهذا المثال للتعبير عن التعتيم الذي تمارسه اسرائيل بخصوص خسائرها من اجل الاستمرار في الحرب. ونجد ان كثيرا من الاصوات التي تعارض الحرب لا منبر لها في الاعلام، حيث التركيز على الاصوات المؤيدة لها. وفوق ذلك فان الاعلاميين الاسرائيليين يحسدون اهل غزة على الصور المؤثرة التي تصدر من عندهم والتي تحرك الاعلام الغربي مقابل الصور غير المؤثرة التي تصدر من سديروت، عسقلان، بئر السبع وغيرها. ويتسانون حجم الدمار الذي يسببونه على ارض غزة.

درس في الصبر
كل القوة التي استعملتها وتستعملها اسرائبل في حربها ضد الفلسطينيين وليست فقط الحرب العسكرية والنفسية في الميدان بل ايضا التحالفات مع الاقزام العرب والعجم كانت بهدف كسر الصمود في غزة. ولكنها في المقابل ماذا حصدت؟ لقد حصدت العكس تماما. نعم هناك ضحايا وفقدان ومرارة لدى المدنيين في غزة، ولكن هذه التضحيات لم تذهب الى فراغ، بل ان تغييرا يصير في الوعي العربي والاسلامي الجماعي، بل حتى ايضا بالوعي العالمي.
كشفت الحرب اوهاما، عرّت قادة وشعوبا. لم يعد بالامكان التغاضي عن حركة حماس على الاقل شعبيا. وهذا الصمود الحي والشجاع لاهل غزة وسط الحطام والحاجة يكشف امام الشعوب جميعا ان الصمود مثال حي يمكن الاقتداء به، وان الجوع والخوف والبرد لا يمكن ان يسلبوا الارادة. كان هذا درسا في الصيام عن كل الملذات من اجل العقيدة.

سلاح مقابل عقيدة
اسرائيل تضرب غزة بكافة الاسلحة غير المشروعة والتي تستعمل بين الجيوش، اسلحة من فوسفور حارقة وتضرب باطنان من المتفجرات، تريد ان تقتل الحياة على ارض غزة، ولكنها لا تعرف انها تزرع في كل مسلم وعربي حياة جديدة. انها الحياة التي تولد بعد الموت.
وهذه كلمة الى كل الذين لا يزالون لا يعرفون ماذا يمكن ان يصنعوا تجاه ما يحدث في غزة. هذا ليس وقت القنوط بل وقت العمل، انها الفرصة الكبيرة من اجل شحن الهمم، والعلم، وتطوير وسائل التعامل مع الازمات، وتطوير الخطاب والتربية للاجيال الشابة.
لتذكروا فقط كيف وقفت اليابان والمانيا على قدميهما بعد ما لحق بهما من دمار وعار عشية الحرب العالمية الثانية. لتذكروا كيف صمد لبنان امام محاولات التجزئة الطائفية، وانظروا الى المجتمع الاسلامي في بريطانيا وامريكا كيف يحاولان الاستمرار بالدعوة الى الاسلام على الرغم من الهجمات ضد الاسلام بعد احداث ايلول 2001.
وهناك عشرات من امثلة الصمود الفردية والجماعية لامة تريد ان تعيش وان تساهم بل وان تقود الحضارة الانسانية.

مهما تفعل اسرائيل من قتل وتشريد، فانها ستخسر الحرب، لانها اولا واخرا قد خسرت مصداقية الحرب قبل ان تبداها. المصداقية التي يمتلكها الفلسطينيون الذين يدافعون عن انفسهم. اما المتخاذلون من امة العرب او اللاهون فهم ايضا لا بد خاسرون، لانهم خسروا اولا وقبل كل شيء انفسهم، ولن تنفعهم تحالفاتهم يوم الحساب.

ليست هناك تعليقات: