08‏/01‏/2009

تظاهر ولا تتظاهر!


امام الموت والدمار لا تستطيع الكلمات العبور. ولكن رغم الالم تولد الارادة والتحدي لاننا بذلك نستطيع ان نعيش. تراودني في الفترة الاخيرة افكار حول الخروج من ازمتنا نحن الذين نغرق في الحياة. احاول ان افهم دوري اكثر في هذه الازمة، ولكنني وللاسف الشديد لم استطع حتى الان الوصول الى نتيجة.

اقتحام عش الدبابير
وبينما انا على هذه الحال من التلبط والتخبط والبلبلة والتبلبل... وكلها مرادفات لتفيد عدم تحديد وجهة النظر او البصر او حتى السمع، واذا بباب بيتي يكسّر. نعم يكسّر ويحطم زجاجه من قبل الشرطة الاسرائيلية. يعني بدون ان تدخل "الجماعة" الى البيت المستاجر في احد احياء القدس، قاموا بكسر الزجاج، وحتى دون ان يطرقوا الباب. انا وقتها لم اكن متواجدة في البيت، بل كانت اختي التي جاءت لتزورني وقد اصابتها الرعبة. بينما التقيت مع المقتحمين على عتبة البيت وتسائلت بغضب: من كسر الباب؟ لماذا؟ ومن سيعوضني على ذلك؟ وكانت الاجابة صرخات عالية من المسؤول عن الوحدة: ادخلي الى البيت. (احسن لك!). اختي التي كانت في الداخل صاحت بي ادخلي قبل ان يأخذوك، الا ترين انهم مثل ذئاب ضالة تبحث عن فريسة؟
سمعت مقولة اختي ودخلت بين الزجاج الذي تناثر على العتبة فاتحا طريقا لريح باردة لتدخل الى غرفتي. بينما تماسكت اختي نفسها وقالت انها كانت تنتظرني بفارغ الصبر، لان الحي الذي نسكن فيه شهد مواجهات بين "الملثمين" وبين الشرطة.
كان هذا كله في اليوم الثاني لمجزرة غزة. يعني قبل حوالي اسبوع. وبدا لنا ان شيئا مثل هذا لا يستحق الاشارة اليه امام البشاعة التي يتعرض لها القطاع برمته. ولكن الموضوع فتح مرة اخرى ونصحتني احدى الصديقات بتوثيق هذه الحادثة، وها انا اوثقها.

الخوف كان شديدا بين طالبات الجامعة العبرية، وهن صبايا من الجليل والمثلث لم يتعودن على مثل هذه التصرفات من قبل رجال الشرطة. ويعني هذا انهن لم يعشن الاحتلال بمعناه العسكري، ولا يعرفن الاقتحامات او الاعتقالات اليومية. فكانت هذه الحادثة تذكيرا لهن: لا تنسين انكن في القدس المحتلة. نعم القدس التي لا تضرب فيها الصواريخ ولكنها تعيش الاحتلال كل لحظة. وخاصة عندما يكون الواحد منا في محيط المسجد الاقصى المبارك ويرى كيف يفتش المصلون ويمنعون من الدخول للصلاة فيه.

تظاهر ولا تتظاهر
بينما تعبّر الجماهير العربية والاسلامية في الداخل والخارج عن غضبها تجاه ما يجري في غزة من مجازر. اجد نفسي غير قادرة على المشاركة ولو بنصف مظاهرة، او لنقل حتى ربع ربع مظاهرة. اراقب المتظاهرين من بعيد ولا استطيع ان اجد نفسي معهم.

هل هذا تخاذل؟ لا اريد ان اكون متخاذلة ولكن تربتي منذ المهد وهي عدم الدخول في السياسة لا من قريب ولا من بعيد. وبما ان المظاهرات هي شكل من اشكال السياسة فانا لا استطيع دخولها حرصا على تعاليم الاهل!
افكر في الموضوع واجد الامر اكثر جدية مما كنت اتوقع. ولا يتعلق فقط بالمشاركة بالمظاهرات او باسماع الصوت، بل بالشعور بالانتماء الى جماعة المتظاهرين.
قالت لي احداهن انها تشارك في مظاهرى حتى لا تشعر انها وحيدة، وحتى تشعر بالانتماء الى مجموعة ما. واضافت انها تشارك في نظاهرة حتى تصل رسالتها "حي ومباشر" الى المارة، وتضيف: يكفي ان يراني طفل وانا اعبّر عن موقفي فانه سيرسخ في ذاكرته، وهذه الوسيلة افضل بكثير من مشاهدة نفس الرسالة من خلال التلفاز.

لم اقرر بعد، الى اي جماعة انتمي، واين انا بالضبط. وسيبقى السؤال يراودني: الى اي جيل انتمي؟ ومن انا؟ وما هي افكاري؟ وربما اذا وصلت الى نتيجة ما فاني لن اكتفي بالمسير في مظاهرة بل سأقودها.


ليست هناك تعليقات: