21‏/12‏/2008

تاريخنا لم يكتب بعد


لا أحد يستطيع ايقاف سيل من الافكار حينما تاتي. تنهمر الأفكار والتوقعات مثل مطر لايقاظ النفس وما فيها. تتصارع الافكار في داخلي في مجالات مختلفة. ولكن من منها تستطيع الوصول الى السطح؟
في البدء كان الخوف
لطالما اعيش صراعا بين المخفي والمكشوف في حياتي. ليس فقط كفرد بل كأمة. لا اتحدث فقط عن المشاعر بل أيضا عن التاريخ. في محاضرة للدكتور مصطفى كبها حول احداث حرب 1948، القى الاستاذ في التاريخ والاعلام اضواءا عن العلاقات الفلسطينية اليهودية ابان الانتداب البريطاني.

ويقول كبها انه من الصعب فهم النكبة دون دراسة ما كان قبلها وبأدق التفاصيل. كبها الذي يعيش في قرية ام القطف في وادي عارة يدرس احوال العائلات والمهاجرين الفلسطينيين في تلك المنطقة منذ اكثر من عشرين عاما. يقول عنه من يعرفه انه يعرف تقريبا كا شيئ عن حياة الفلاحين الفلسطينيين قبل النكبة وكيف تبعثروا بعدها في بلاد العالم. وهذا طبعا من خلال الآف المقابلات الشفوية التي قام بها خلال العشرين سنة الماضية.


وعلى الرغم من ذلك، يقول كبها، لا توجد امامنا الكثير من الحقائق التي تخص هذه الحرب. فكثير من الوثائق لم يسمح بنشرها بعد. والمأساة الكبيرة هي انه حتى الآن لا يوجد أرشيف وطني فلسطيني يوثق الحالة الفلسطينية. ويروي كبها بأسى كبير كيف ضاع الأرشيف الفلسطيني الذي عمدت منظمة التحرير الفلسطينية الى اخراجه الى حيّز الوجود منذ تأسيسها عام 1964.

ولكن في حرب لبنان 1982 قام الجيش الاسرائيلي اثناء احتلال لبنان بالاستيلاء عليه وتصويرقسم كبير منه، واعيد الى منظمة التحرير في الجزائر وهناك تم تخزينه في ظروف سيئة جدا، أدت الى ضياع الكثير من الوثلئق فيه. وبعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 دارت خلافات فلسطينية حول اعادته. وفعلا اعيد الارشيف في عدة صناديق كبيرة الى ميناء اسدود في عام 2000، وبسبب اندلاع الانتفاضة الثانية احتجزت هذه الصناديق بما فيها لدى الاسرائيليين، لتغيب عن الباحثين الفلسطينيين حقائق ربما كانوا يستطيعون ايجادها فيما جمع سابقا.

الصور والرواية الناقصة
كبها هو المستشار الفني لمعرض صور حول تاريخ وادي عارة من منتصف القرن الثامن عشر الى اليوم. وهذا المعرض في غالاري سعيد ابو شقرة في مدينة ام الفحم. معظم الصور جمعت من المتحف البريطاني ومن الموشافات والكيبوتسات (التجمعات السكنية التعاونية الاسرائيلية) المجاورة.

وما يميّز المعرض كونه الاول الذي يعرض صورا نادرة عن الحياة في القرى الفلسطينية قبل النكبة. وهو ايضا يعرض حياة الفلسطينيين ابان الحكم العسكري الاسرائيلي (1948-1966) على القرى الفلسطينية التي بقيت وضمت الى الدولة العبرية. ومن الملفت للنظر وجود العلم الاسرائيلي في المناسبات، وحتى الافراح. كما وتوجد صورة اخرى فيها جوقة من فتيات صغيرات يغنين في ما يسمى "يوم الاستقلال" على مسمع من عشرات بل مئات القرويين. وهناك صورة اخرى لنساء يعملن في الحقول، وصورة اربعة مخاتير قاموا بالتفاوض على تسليم قرية كفر قرع. حيث توجهوا الى الحاكم العسكري في عام 1948 واستطاعوا ان يمنعوا طرد اهاليها منها. ولكن المجتمع ينظر اليهم على انهم متعاونين مع السلطة.
وتعرض صور المعرض الحديثة صورا من نضالات سكان وادي عارة في الانتفاضة الثانية. كما وهناك تسجيل فيديو لمقابلات مع كبار في السن الذين عاصروا النكبة وما بعدها.


قريتي التي لم احلم بها بعد
لم اعرف ابدا ان للاشجار قدرة على التستر على جريمة حرب بهذه البشاعة. من شارع وادي عارة الطويل، وعلى بعد بضعة كيلومترات من مدينة ام الفحم، وباتجاه مدينة العفولة، الاشجار تخفي بقايا قرية هدمها الجيش الاسرائيلي في عام 1948، وهذه القرية هي اللجون. وقريبا جدا منها يوجد سجن مجيدو الذي يقبع فيه الاف الاسرى الفلسطينيين في انتظار المجهول.

من الصعب تمييز الحجارة الا اذا قصد المرء ان يراها. حجارة متناثرة هنا وهناك كانت بقايا بيوت فلسطينية. الختيار ابو عمر يعرف هذه البيوت ويعرف الحارات في القرية التابعة للعائلات: محاميد، محاجنة، جبارين واغبارية. وتمتاز القرية بكبرها هذه انها مركز ل 2000 دونما زراعيا يتبع للاهالي، كما وان فيها مسجدا، مقبرة، مدرسة، واربع مطاحن للقمح قديمة. وبنيت قرية اللجون في عام 1910 وكانت تجمعا للفلاحين الذين ارادوا ان يكونوا بالقرب من اراضيهم في مرج بني عامر.

وسقط شهداء على ارض القرية وهم خمسة حاولوا العودة اليها بعد طرد اهلها عام 1948. وبقيت القرية مهجورة، يعود اليها اهلها اللاجئون في مدينة ام الفحم القريبة من اجل ان يتذكروا انها لهم. ويقول فهمي ان اباه الذي بلغ من العمر ثمانين عاما يقول: يا بني لا تبع ارضك.. لا تستبدل ارضك.. ولا تقبل التعويضات عن ارضك.. ارضك لك وهي ليست للبيع.


الرؤية الآن اصبحت واضحة!
وفي الطريق الى القدس وعن طريق راس العين، بدأت عيناي ترى. رأيت الكثير. اصبحت الاشجار شفافة أمام ناظري. كيف لا وانا ابحث عن تاريخي وعن بقايا نفسي. اصبحت ارى الحجارة التي منها بنيت البيوت، رايت مطاحن، مقابر، ومآذن.
اصبحت اميّز البيوت، واتخيل من سكن فيها. احاول ان اسمع اصواتهم. ولكني لم اصل الى ذلك. ينقصني التوثيق. تنقصني الحقيقة حتى ابني خيالي.

في داخلي فجوة. تجتاحني رغبة في مزيد من القراءة. اريد ان اتعرف على شعبي وهويتي من جديد. ويبدو اننا لم نكتب تاريخنا بعد.



ليست هناك تعليقات: