26‏/11‏/2008

الحب في عصر النت


لا أعرف كيف أبدأ كلامي. أشعر بالمسؤولية تجاه كلماتي التي أكتبها وسأكتبها. فأنا أريد كلاما ليصنع التغيير، ولا أريد حبرا على ورق، لا أريد كلاما مثل زبد البحر، يتلاشى ويختفي مع كل موج.
تربطني علاقة بالكلمة. اشعر بانجذاب لها، كل كلمة اسمعها اتوسم فيها الصدق وكل كلمة اقولها اقصدها صادقة. ويتعبني الكذب والتلاعب بالمصطلحات، حتى مع نفسي فأكره مناوراتها، ولا أزال اصارعها حتى تصارح بكلمة صادقة.
هذه بدايتي من اجل بلورة نوع من العقد مع القارئ. فربما اقول كلاما لا يقنعه ولكني أريده ان يعرف اني اقصد صدقا فيما اقول.

التحدي الكبير
قلت لها: "حتى ولو اختلفنا، فلا بد ان يستمر الحوار بيننا". كانت صديقتي تسمع وفي عينها شرود، خوف من لا مجهول. فتاة في العشرين من عمرها. لا ينقصها عقل، دين ولا علم. فتاة لم تحصل على ما تريد بسهولة.
واليوم وهي على عتبة الزواج تعاني رفض الاهل. اهلها يريدون شابا من عائلة غنية للتباهي فيه. وهي تريد رجلا صاحب دين وموقف. رجلا ذو علم وصدق. هم يريدون لها ان تكنز ذهبا، وهي تريد ان تكنز الحب في قلبها.

تعلو اصواتهم في البيت. الاب يرفس الارض بقدميه ويرفض. الاخوة لا يعرفون كيف يتعاملون مع الموقف. للأب رهبة ورفضه قاطع. والام تروح وتجيء لا تعرف كيف تصنع. منذ زمن بعيد يئست من قدرتها على اقناعه. والفتاة تجلس في غرفتها، تذرف دموعا لا نهاية لها. وعند الفجر صلت وطلبت من الله العون قبل ان تسلم عينيها لنوم متقطع.

ساد صمت طويل... شعرت بحزنها. اردت ان افعل اي شيئ حتى تضحك. صراع الاجيال هذا لن يحله البكاء. قلت لها ضاحكة: عليك التعبير عن احتجاجك على رفض ابيك القطعي. نعم احتجي. علقي لافتات في كل مكان يذهب اليه. مثلا عند المرآة التي يحلق عندها ذقنه اكتبي: لا عودة عن حقي رقم 15478. التفتت الي مستغربة: وماذا يعني ذلك. قلت لها: هذا رقم حقك في اختيار شريك الحياة. ضحكت. تشجعت وقلت لها: اما عند تناول الفطور فعلقي على نفسك لافته: لا تراجع عن مبدأ 17889
وهذا يعني مبدأ الانسحاب عن القرارات الابوية الفردية. اما اعلان رقم 0001 فهو يقضي بالمشاركة في صنع القرار بين الاب وابنته قبل اتخاذه القرار... واخذنا نعد قرارات وحقوق ومنها: قرار 8 يقضي على حق الفتاة في التعرف على الشاب الذي ينوي خطبتها.. قبل ان تقع الفأس في الراس كما يقول المثل الشعبي. وحق 100001 الذي ينص على احترام رأي البنت. وكنا نعد القرارات ونضحك معا ونقول: "قلبي.. قلبي" ويعني ردة فعل الاب عندما يسمع بهذه المظاهرات في عقر بيته!!!

ولكن الضحك لا يدوم.. فاعقبته موجات من بكاء وشعور بالقهر. يعني البنت تريد التعرف على الشاب الذي تقدم لخطبتها وهي ترى فيه مواصفات الشاب المناسب لها. والاب، كما في الافلام العربي، يقف عثرة ويضع الشوك، وفي نهاية الفيلم طبعا ينتصر الحب!!
"ان شاء الله نصل الى ال happy End قريبا. ولكن عليك ان تحاوري اهلك": صرّحت مثل مستشارة نفسية في بداية الطريق.

جيل النت وجيل ما قبل الفاكس
عندما كنت مع ابي في مشفى صفد في رمضان الماضي. وبينما نحن ننظر الى الافق البعيد ونشم هواءا رائعا. كان ابي يقول لي: انتم جيل الانترنت. انتم الجيل القادم. صحيح اني لا اعرف شيئا عن الحاسوب ولكني أرى تأثير هذا العالم الجديد عليكم. ربما انتهي دورنا، والبركة فيكم.
ابي قد تجاوز الستين، شعرت بغصة وهو يتحدث عن انتهاء دوره، لملمت حزني وقلت: بل على العكس، لم ينته دوركم، نحن نريدكم معنا، لتدعمونا ونحن نعبر هذا العالم باحلامنا وافكارنا.

منذ سنوات ليست ببعيدة، حوالي 60 سنة واكثر، آمن اباؤنا واجدادنا بافكار ثورية مثل: الشيوعية، القومية العربية والوحدة العربية، احياء الاسلام السياسي مرورا بالراسمالية وانا وبعدي الطوفان. ولا بد ان يكون كل اب قد عاش لحظات او ايام التمرد على الجيل الذي سبقه. هل تذكرون ذلك ايها الاباء؟ وكيف اشعلت السيجارة الاولى وانتم "تشربونها" متخفين غضب اهليكم لانهم اعتبروها تمردا!!
واليوم، يعيش الجيل الشاب عصر العولمة والانترنت. ويمكن ان يطلق عليه جيل النت. ليس فقط لانه يعرف استعمال الحاسوب، بل لانه انكشف الى عالم جديد، للاسف لا يعرفه الكثير من الآباء والامهات. ومن معالم العالم الجديد هو الانفتاح على ثقافات، افكار وحدود لا يعرفها آباء العالم القديم.
الانفتاح يمكن ان يكون سلبيا لمن اراد ان يستعمله في الجوانب السلبية، ويمكن ان يكون ايجابيا في تطوير الذات والمدارك. وعلى الحالتين جيل اليوم يختلف. وفي العالم الجديد ينمو جيل مسلم يعرف حدود الله ولكنه يحاول اكتشاف الجيل الجديد ويتأقلم مع القيم الجديدة الي يقدمها له.

لنبدأ بالحوار الآن
هذه ليست مقدمة في علم اجتماع النت. ولكنها اشارة الاباء والابناء حتى يعرفوا ان الفجوة اليوم بين الاجيال هي اكبر مما كانت عليه سابقا. ويمكن ان تؤدي الى تمزيق الاسرة المسلمة. ولذلك لا مجال اليوم للتعصب بالرأي، بل الحوار هو الوسيلة التي تجسر على الاختلاف.
وبالنسبة اليك صديقتي المتعبة من رفض اهلك، لا عليك. ان كان شريكك في القرار معك، فيمكن ان تخوضوا الحوار معا من اجل اقناع الوالد. وفي هذه اللحظة يصلني اقتراح: ادخال الكبار في الموضوع. وما العمل اذا كان الكبار لا يفهمون الا من الكبار!!!