15‏/11‏/2008

افكار حول رواية شرفة في قفص



شرفة في قفص للكاتب الفلسطيني محمد القيسي. انها الرواية الاولى التي أقراها له. ولم اكن قبلها اعرف بوجوده. القيسي عاش طويلا في المنفى بعيدا عن الوطن، ولما جاءت اتفاقيات اوسلو في منتصف التسعينات من القرن الماضي (باختصار قبل حوالي 15 سنة) عاد الى الضفة وغزة محملا بالامل، تاركا حبا متقدا لامرأة سكنته وكان اسمها صفية.
احب القيسي غزة اكثر من رام الله وجاب في طرقاتها على الرغم من حرارتها. وعند بحرها شعر بالضيق وقال: حاربنا من اجل بحر فاذا بنا نقف عند قطرة ماء. البحر المحاصر والبيت المحاصر حوّل فلسطين الى قفص، يطل عليه القيسي من شرفته.

الرواية عبارة عن سيرة ذاتية ومحطات في حياة الكاتب توزعت بين لندن، تونس، بيروت، عمان، غزة ورام الله. في كل مكان يقذف الكاتب شذرات من حياته الماضية والحالية. لم تطأ احلامه المستقبل ابدا، انما استعادت ما كان منه.
ربما لان الكاتب كان على فراش الموت في عمان وهو ينهي روايته، فلم يستطع ان ينتقل الى ما بعد موته. كانت الرواية وكانها شريط لحياته قبل ان يغمض عينيه.
وعلى الرغم من انه يكثر من الحديث عن لحظات الحب وانه كان يجد في كل مدينة امراة ليحبها، ومع انه افرد صفحات من ذاكرته وحياته لصفية والخمر، الا انه لم يعبّر عن ندم ابدا لانه ترك عائلته واولاده.
زوجته ظهرت كلمح بصر، في جملة عابرة عندما كانت الى جانبه في المشفى. وامه لاجئة من قرية قرب اللد تظهر لتختفي دون ان تقول شيئا. واما لحظات الحب التي فاتته مع نساءه فقد كان ينفق عليها ندما كثيرا.

السيرة الذاتية في عالم ما بعد الحداثة
في ايامنا هذه والتي يطلقون عليها في الغرب "ما بعد الحداثة" ويميزونها عن غيرها بكون الفرد اصبح في مركزالكون، حيث يحق له ان يقول ما شاء وان يفعل ما شاء في اطارالحرية الشخصية. فلا وجود لحقيقة واحدة للكون واصبح العالم عبارة عن روايات تتنافس فيما بينها، فلا يوجد خطأ ولا صواب، غنما رأي يباع ويشترى، فإذا اشتراه الناس كان هذا دليلا عن صحته.

وفي اطار ما بعد الحداثة يمكن ان يقال ان رواية القيسي هي حياته وهو حر فيها، وهو يعرفها اكثر من غيره. فلا صحيح ولا خطأ، بل إنها شجاعة منه في سرد حياته الشخصية ومواقفه. نعم يمكن ان يقال هذا... ولكن هل هذا ما يريده المجتمع العربي والاسلامي اليوم؟ هل حاجتنا الى مثل هذه الافكار؟
واني استغرب كثيرا من الكتاب العرب، وكيف لا يعرفون الحديث في قضايا الساعة بدون كاس من الخمر، وخاصة كتاب السعودية الذين يفصلون اسماء الخمور، فلا يحلو الحديث وجو الاكتئاب بدون كاس من خمر او بكاء على حبيبة فقدت في الطريق.
يعني يمكن القول بان هذه هي الواقعية واننا شئنا ام أبينا متأثرون بالغرب وبافلامه ورواياته. ولكن السؤال هل هذه هي حقيقتنا نحن؟ هل هذه شخصيتنا؟ وهل هذه هي الحقيقة التي تريد ان نقولها لانفسنا قبل ان نموت وللاجيال القادمة؟
شرب العرب الخمر في التاريخ، ولكنهم لم يكتبوا سيرتهم الذاتية وفي يدهم كاس من خمر. فكما ان الخمر في الواقع تذهب بصفاء الذهن وتشل تفكيره، فهي ايضا في الرواية تحول دون اي نوع من النقد الذاتي، وتهيئ للكاتب ان لا فرق يين الخطأ والصواب.

عري وحقيقة
من يريد الحديث عن الحقيقة وان كانت الحقيقة الشخصية او الفردية في عالم ما بعد الحداثة، عليه ان يتناول حقيقة وجوده وان يخلع الشخصيات المستعارة من ثقافة الغرب او ثقافة الدونية التي تشكل حيزا من الثقافة العربية اليوم.
فمجرد خلع تأثير الآخر عليه، فإنه وفي عريه هذا اقرب الى الحقيقة ولن يستحي ان يقولها ابدا.

نحن اليوم بحاجة الى ان نكون صادقين مع الله لنكون صادقين مع انفسنا والناس. في عالم ما بعد الحداثة لن ينقذنا من فتات الافكار وكثرتها سوى الصدق. وساعتها سنطل ليس على قفص صغير بل على العالم اجمع.