12‏/11‏/2008

هجين هومي بابا

في الصورة هجين من النمر والاسد.

هومي بابا يتعبني. أقرا له كتابه المعروف "موقع الثقافة". يقولون كتابه صعب. واقول نعم صعب وهو يتلاعب بالمفاهيم والمصطلحات كما يحلو له. وفي رده على هذه التهمة يقول بابا ان الناس يتهمون الانسان الجدي بعدم الوضوح. ربما كان صادقا. ربما علينا ان نكون جديين حتى نسبر اغواره. ولكن كيف السبيل الى ذلك؟ وكتابه يحتوى على عشرات النماذج من الروايات والادبيات والتي يعتمدها كمصدر اولي. وفي هذه الطريقة يسيطر على القارئ ويحدد مسار تفكيره. اشعر بالعجر في هذه اللحظات امام كتابه، بينما تجذبني فكرته المركزية والتي تعبر الحواجز بين الأنا والآخر، وتحوّل كلا منهما الى هجين من الثقافات. فلا أنا نقي الهوية ولا الآخر نقي الهوية كذلك. ويتابع بابا: ويكون الابداع في المناطق والتخوم التي تلتقي فيها الثقافات وليس بالضرورة من اجل ان تتصالح، بل أيضا من خلال تصارعها.

أبحث عن أنا وعن هذا الهجين الذي يشكل هويتي. اريد ان اكون واضحة واريد ان ارى العالم من حولي. لم ازل في الفصل الاول والذي يتحدث عن موقع الثقافة وهذا الكتاب يستفزني. اشعر بالتحدي وانا ارى بابا يقلب الحياة وكانها نص قابل للتأويل والتفسير. تعلمت منه كيف انه علينا ان نقرأ كل شيء، كل شيئ وان نصطاد مما حولنا الافكار والايحاءات.

في مركز للفطام من المخدرات، التقيت بها، شابة في ال 26 من عمرها، رياضية جميلة وفيها جرأة قلما توجد في بنات جيلها. إنها سكرتيرة بديلة. كنا نخلط اللغة العربية بالعبرية حتى نتفاهم. لم يكن ادخال الكلمات العبرية في المحادثة بين فتاتين عربيتين امرا مستهجنا، لان المعظم يفعلون ذلك. ولكني في وقتها شعرت بالغربة عن هويتي ولغتي. كنا نمثل هجينا من ثقافتين في صراع، صهيونية غربية وفلسطينية اسلامية. ولكننا وفي هذا الهجين كنا نحاور أنفسنا بلغة الاخر. فهل كنا نحن؟ أم غيرنا؟ وما هي طبيعة هجيننا هذا؟

الغضب الساطع آت...
البارحة التقيت مع صحافية ألمانية، كان شيئا غير طبيعي لم استوضحه من بداية الحديث. قالت لي قبل ان تهم بالجلوس: الا تشعرين بالحر؟ وتقصد ان كان حجابي يضايقني ويكبت نفسي في الحر الذي تشعر به. قلت لها ببرود: لا.
تحدثت ليندا عن حالها وكيف انها تعيش في المجتمع الاسرائيلي ما يقارب ال 17 سنة، وانها تتعجب من الاسرائيليين الذين لا يرون ابعد من انوفهم وخاصة في مدينة مثل القدس. قالت لي انها ارادت ان تدخل الحمام في احد الحواجز الاسرائيلية. فطلبت من مجندة ان تدلها عليه. فسالتها المجندة: هل انت اسرائيلية؟ فاستهجنت ليندا سؤالها واجابت: هل يعني هذا شيئا؟ وهل هناك فرق بين خراء الاسرائيليين وغيرهم؟
وفجأة ومن دون سابق انذار اعلنت ليندا لي على انها مثلية، وانها تستطيع تفهم المثليين الفلسطينيين والفلسطينيات وكيف انهم يعيشون الغربة، حيث يطردون من هويتهم الجنسية ومن مكانهم في مجتمعهم ويضطرون للعيش في بلاد عدوهم.
تشعر ليندا بالغضب والقهر لانه في المانيا بالذات لا انتقاد لسياسة اسرائيل، حيث ان كل انتقاد يعتبر ضد السامية. وهذا كم افواه لا تستطيعه. ليندا تريد ان تكتب كتابا وان تنشره ان وجد الناشر من اجل ان تعرض صورة اسرائيل الخفية.
غضب ومثلية ثنائي يترادف دائما. ويؤكد نظرتي الى ان المثلية نوع من الاحتجاج عن النظام الاجتماعي والسياسي وتعبير عن الرفض لكل ما هو متعارف عليه، اكثر منه انجذاب جنسي.
وليست هذه المرة الاولى التي تعلن فيها بعض النساء امامي عن مثليتهن. واتسائل: لماذا يجب ان اعلم عن هويتها الجنسية؟ لماذا يجب التصريح بذلك؟ هل تريد مني شرعية لوجودها؟
لهن دائما اقول: المثلية طريق للاجتجاج والتعبير عن الرفض ولكنه ليس الطريق السليم. لانه يناقض الطبيعة والفطرة. فابحثوا لكن عن طريق اخرى، حتى لا تؤذوا انفسكن اكثر.

هومي بابا، ربما ساكتب يوما مثلك. سأقرا كما تقرأ. وسأبحث عن طريقي وسط زحام الكلمات والمصطلحات.