09‏/11‏/2008

قالت فاطمة: استحوا


اشتقت للكتابة بعد بعض أيام من غياب. اشتقت لذرف هذه الافكار التي تجتاحني وانا اعيش الحياة. اردت الحديث عن مواقف غريبة مرت بي مؤخرا، وكنت أوجل الحديث بدعوى ان الافكار والاحاسيس لم تنضج بعد.
ربما جاء الوقت حتى ارمي حملي حتى استطيع الاستمرار.



طريق الآلام
لا يعرف معنى الحواجز العسكرية إلا من يمرها ويعيشها يوميا. لا يعرف الذل إلا من عاشه. يقترن معنى الذل بالتواجد والاحتجاز على هذه الحواجز التي تمتهن الكرامة.


هذه جندية بدينة تهين وتصرخ بينما يعبر الفلسطينيون "المعّاطة"، لتشبيه الابواب الحديدية التي تعبر في حاجز قلنديا وغيره من الحواجز، ومن خلالها يعبر ثلاثة اشخاص فقط في كل دور. ترفع صوتها بلا داعي وتتعامل مع الموجودين وكانهم حيوانات.
واليوم كانت طريق الالام اطول حيث احتشدت الجموع بانتظار اشارة لفتح البوابة. وبينما كنا ننتظر بين جدران الحديد حيث تغطينا شبكة من الحديد، وكاننا في سجن، بكى طفل. وبكاؤة كان مزيجا من مرض وخوف وحزن. بكاؤه اسبه بمواء قطة متعبة. بينما امه كانت مشغوله بالحفاظ على دورها. وهو كان يبكي وينظر من شباك الحديد. وكان قلبي يبكي معه.

الحاجز
يسمى حاجز قلنديا الفاصل بين رام الله والقدس "معبرا"، وللاسف الشديد استبدل اهل البلد تعبير الحاجز بالمعبر، متبنيين مصطلح المحتل. ويمكن ان يكون الحاجز بالنسبة لهم "معبرا" لانهم يستطيعون المرور من خلاله لانهم يمتلكون شهادة الإقامة. وبالنسبة لإخوانهم الذين لا يمتلكون تصاريح الدخول فهذا حاجز، يمنعهم من الوصول الى مدينتهم ومسجدهم الأقصى. يمنعهم من الوصول الى عائلاتهم في الجانب الاخر والى المشافي وغيرها من امور الحياة التي ترتبط بها القدس.

ولست اريد ان أميّز بين اهل القدس والضفة وغزة وان اصنفهم حسب درجة معاناتهم ولا اريد ان اقول من اكثر ضحية ممن. لان هذا في الواقع غير مهم، للجميع همومه، ولكن الواقع الذي يخلقه الاحتلال يفرض تقسيم الشعب الواحد الى كنتونات او غيتوات كل واحد فيها يتمتع بصفات لا تنطبق على الاخر. فاهل غزة اصبحوا من المغضوب عليهم، والمغلق عليهم ولا حديث معهم. واهل القدس يستطيعون التنقل بين مدن الضفة والتواجد داخل الخط الاخضر، واهل الضفة لا يستطيعون التحرك بين مدنهم في الضفة ولا التواصل مع غزة ولا القدس ولا الداخل. اما اهل الداخل الفلسطيني فهم يستطيعون التنقل في داخل الخط الاخضر، القدس وبعض مدن الضفة.

كيف نعبر الحاجز؟
وفي هذا السياق يمكن ان يقال الكثير من الكلام ولكنى اريد التاكيد على بعض الامور. اهمها: كيف نتعامل مع الواقع الموجود؟ نحن كفلسطينيين. كيف نقنع انفسنا بالتماشي معه؟ كيف نعبر الحواجز النفسية التي يصنعها الاحتلال الاسرائيلي من خلال تقسيم فلسطين ون خلال تقييد حرية الحركة؟
نحن بدأنا، ويمكن القول منذ الهزيمة في 1948 بخلق درج اجتماعي. كل فئة ترى نفسها على قمر هذا الدرج بينما الفئات الاخرى تندرج تحتها. بما أننا لا نستطيع ان نواجه المحتل، علينا ان نجد سلما لنشعر بأننا الافضل بالنسبة لمن نعتبرهم دوننا.

وحتى لا اكون تجريدية، ساضرب مثلا من الواقع، يقال في رام الله ان "فلسطينيي 48" يفقدون احترامهم عندما ياتون اسواق المدينة، فهم يتحدثون بصوت عال دائما، ويقارنون دائما السوق بالاسواق التي خبروها في اسرائيل، ويأنفون من المحليين، على اعتبار أنهم يأتون من حضارة متقدمة ويرون أهل الضفة الغربية بعين الأقل حضارة.
ويمكن القول بأن هذه التصرفات، وللاسف الشديد موجودة، وشعور الفلسطينيين في رام الله وغيرها من المدن، ليس شعورا بالدونية أمام اصحاب الهويات الاسرائيلية من الفلسطينيين. والسؤال لماذا يتصرف اخواني واخواتي بهذه الطريقة؟ طبعا الحديث ليس عن الجميع ولكن عن فئة تظهر بسبب سلوكها الفظ، ونحن في مجتمعاتنا العربية نضخم الشين ونقزّم الزين. ومع ذلك لا يمكن ان نتجاهل هذه الظاهرة.
اسباب عديدة لذلم احدها هو: تأثير الثقافة الاسرائيلية في هذا الجانب، فالسواح الاسرائيليون معروفون بوقاحتهم عندما يسافرون وهم يعتبرون البلاد حكرا لهم. فهم يبالغون في الصراخ والسب والتعامل بعنجهية مع ابناء البلاد التي يسافرون اليها. وللاسف هناك من الفلسطينيين من تبنوا هذه التصرفات معتبرين اياها نوعا من الحضارة!! وهذا فعل الضعفاء، فهم يتبنون ثقافة القوي حتى يشعروا بالامان والقوة.
قالت لي فاطمة: قولي لهم "توقفوا"...