24‏/10‏/2008

من عكا الى القدس وبالعكس


البحث عن الهوية، بحث صعب. عندما تعيش في مدينة القدس، لا تكون الهوية شيئا مفهوما ضمنا. دخول القدس ليس كالخروج منها. مدينة تسحق الذات ثم تعيدها. مدينة فيها قدسية حتى للخوف والرغبة.

أين أنا؟
انا حيث تتصارع الأفكار والمشاعر. وليس مثل القدس مكان لكل شيء يوحي الصراع. ويجعل الرغبة في التغير والتغيير شيئا لا بد منه.

حسنا سأبدأ من البداية بلا مقدمات وبلا فلسفة حتى أنا لا أفهمها. ومع ذلك عسى أن افهمها بعد ذلك.

عكا ليست الأولى
عكا تخطر على بالي كثيرا في الفترة الاخيرة. كنت أريد ان اكتب عنها شيئا، أي شيء حتى أعبر عن تضامني مع هذه المدينة البحرية. الأشهر تمر بسرعة وفيّ رغبة لأن أزورها وان استنشق كلماتها ومأساتها. ولكني لا أفعل ذلك. ربما احتاج الى وقت حتى استوعب انني كفلسطينية ومواطنة في دولة اسرائيل، انتظر مصيرا مجهولا. الاحداث المتسارعة التي قادت الى انفجار الصراع في عكا بين المواطنين الفلسطينيين وبين الاسرائيليين تعبر عن صراع ذو جذور.

لست عمياء. اعرف ان الصراع في المدن المختلطة قائم منذ سنة 1948، حيث الأقلية الفلسطينية تعاني من انعدام وسائل التطوير ومن الفقر والبطالة والمخدرات وغيرها من الآفات. وبالمقابل تحشد الدولة جهودها من أجل تهويد المدن الرئيسة مثل يافا، عكا، حيفا، اللد والرملة والتي يصل عدد سكانها الفلسطينيين الى 90 الف نسمة.

خرجوا من غزة ليدخلوا عكا
في عام 2005 نفذت حكومة اسرائيل بقيادة ارئيل شارون خطة اعادة الانتشار في قطاع غزة وافرغت المستوطنات من 8600 مستوطن صهيوني ديني. في ذات الفترة كانت اعمال بناء جدار الفصل تجري على قدم وساق في الضفة الغربية من اجل فرض حدود تناسب اطماع اسرائيل في ابتلاع الموارد الفلسطينية بلا رقيب ولا حسيب. وبهذا تكون اسرائيل قد اغلقت حسابها في الضفة والقطاع، وفرضت امرا واقعا لا نزال نعيش تأثيره حتى اليوم. حيث فصلت غزة عن الضفة بصورة نهائية.
وكيف يرتبط هذا بالداخل الفلسطيني؟ الجواب على ذلك يكمن في ان المستوطنين الذين خرجوا من غزة ومن عاونهم من الاجزاب الدينية الصهيونية يريدون "تنظيف" الداخل من الفلسطينيين وحصرهم داخل تجمعات يسهل السيطرة عليها. بمعنى اخر يريدون احتلال الداخل من جديد. هذه المرة ليس بالسلاح او بالسيطرة عنوة على اراضي الفلسطينيين ومنعهم من الدخول اليها كما يفعلون بالضفة الغربية. انما الاحتلال يأتي تحت غطاء اجتماعي وديني تعليمي ومن خلال التحالف مع البلديات.

نواة الشجعان والاحتلال الجديد
وعلى سبيل المثال في عكا، يعمل تنظيم باسم "غرعين اومتس" بالعربية "نواة الشجعان" منذ حوالي 11 سنة على توطين اليهود في المدينة. وذلك من خلال تشجيع عائلات الطلاب الجامعيين للاستيطان فيها والتطوع من اجل مساندة اليهود الفقراء فيها، ومن خلال تنظيم الحلقات الدينية على غرار الحلقات التي تعزز ارتباط مشتركيها بهويتهم اليهودية وبانتماءهم الى هذه البلاد.
هذا التنظيم وغيره يقومون بالعمل التطوعي المدني وفي ذات الوقت تقوية السكان اليهود اللذين يعانون من اوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة. وفي نفس الوقت تجنيدهم للفكرة الصهيونية الدينية التي تهدف الى جمع شمل اليهود في فلسطين وطرد العرب منها.

وفي الوقت ذاته تقوم هذه المجموعات بالتقرب من اليهود العلمانيين وفتح حوار معهم من أجل رأب الصدع بين الطرفين وخاصة في مجال شريعة الدولة، حيث تضغط الاحزاب الدينية لتحويل اسرائيل الى دولة توراتية، ولا يزال الخلاف قائما حولها. وتقوم مجموعات حوار للتقريب من وجهات النظر والتوقيع على وثيقة تفاهم بين الطرفين في هذا الاطار.

قبل اسبوع، وعند "كيكار هشبات" بالعربية دوار السبت في القدس وهو مركز تجاري يستهدف اليهود المتدينين قرات شيئا ملفتا للانتباه: حتى ولو تحولت اسرائيل الى يهودية كلها.. فانها ستبقى دولة كافرة.. لان طريقتها وسياستها هذه تعيق قدوم المسيح. ووقعت جماعة باسم "هيهدوت هانئمينت" وترجمتها للعربية اليهودية المخلصة على ذلك. حاولت البحث كثيرا عن هذا التيار ولكني لم اجد له مناشير اخرى. ويبدو انه صوت يخالف الصوت الصهيوني الديني المسموع ولذلك فبالكاد يسمع.
وفي نفس الشارع هناك لافتة كبيرة تدعو النساء الى دخول السوق بلباس متواضع حتى لا يخدش احساس المارة المتدينين. وهذه اللافتة تنتشر في الاحياء اليهودية المتدينة.

مواطنون ولكن...
بين الاحتلال وبين المواطنة يقع اكثر من مليون فلسطيني داخل الدولة العبرية. حالة من الأسر استمرت ستون عاما. تصرفات المستوطنين اليهود وبدعم من الدولة يشير الى انهم لم يغلقوا حسابهم بعد 1948 مع الفلسطينيين اللذين بقوا في اراضيهم. وهم يرون في الحركة الاسلامية التي تزداد امتدادا في الداخل وخاصة بين اوساط الشباب والاكادميين عدوا لدودا. وهم ايضا يتحدثون عن اسلام يوحد العرب من اجل تحفيز الاسرائيليين توحيد انفسهم تحت لواء اليهودية الصهيونية.

الايام القادمة تحمل اعاصير. لست بقارئة فنجان. ولكني استشعر الاعصاراكثر من اي وقت مضى. الدعم الفلسطيني لأهل عكا كان مكثفا ويدعو الى التفاؤل. ولكني ارجو الا يكون دعما طارئا. يحتاج اهل عكا وغيرهم في المدن المختلطة الى دعم متواصل وفي الاساس الى زيادة الوعي والتعلم. هكذا يمكن ان نواجه الاعصار.

لمشاهدة فيلم دعائي عن غرعين اومتس باللغة العبرية:
http://www.youtube.com/watch?v=RxDTagih6eI

لقراءة عن الوثيقة المخطط ترويجها لرأب الصدع باللغة العبرية:
http://www.gavison-medan.org.il/authors/?aid=4834f394391674689b281ff853ff34ee