02‏/10‏/2008

الشيطان يعظ في فيلم الريس عمر حرب


يراودني السؤال: هل علينا ان نتابع البرامج وانواع الثقافات والافكار الاباحية التي تغرق عالمنا؟ هل علينا ان ننتقدها وان نفهم مصادرها وسلوكها من أجل التأثير؟ ام علينا ان نبتعد عنها مستغفرين؟
بطبيعة الحال، ومن اجل نقل صورة الإسلام علينا التوجه إلى الإعلام البديل، وهذا ما صار في ثورة الإتصالات هذه. ولكننا أيضا ومن ضمن النهي عن المنكر، علينا معرفة أشكال وصور المنكر وسلوكه. في هذه مخاطرة كبيرة. ولا يأمن المرء مصائد الشيطان. وهذا القرار بالنسبة لي محفوف بخطر وهو ايضا مؤقت لعلي أهتدي سواء السبيل.

الشيطان يعظ، مجموعة قصص للكاتب المصري نجيب محفوظ، عن مصر في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. اذكر ان روايات محفوظ كانت ترافقني في سنوات مراهقتي، لكنها اليوم لا تلبي احتياجاتي من خلال طرحها الفلسفي المادي. ولكن المميز في محفوظ هو أنه يطرح التفاصيل الدقيقة التي تصنع الإنسان في خيره وشره. فالبطل عنده يمكن أن يكون لصا أو مجرما او عاهرة بدون تلك المثاليات التي نجدها في روايات زمنه.

ولست الآن بصدد تناول قصة الشيطان يعظ لمحفوظ. بل إني اقتبس هذا العنوان من أجل تناول فيلم مصري للمخرج خالد يوسف والذي أثار جدلا في مصر وهو فيلم "الريس عمر حرب". الفيلم معد للكبار فقط. وليس اجمل من هذه الدعاية لجذب اهتمام المراهقين بل وتحويلهم إلى فئة مستهدفة غير مباشرة.

عقيدة الشيطان
الشيطان يعظ في هذا الفيلم بل ويحصل على النصر المبين فيه. الشيطان يتحرك في كل مشهد ويتحول إلى قوة دافعة. والشيطان هنا لا يتلخص في المشاهد الجنسية والايحاءات التي تجعل من الفيلم بيت دعارة كبير على الهواء. بل الأخطر ان الشيطان له عقيدة يروّج لها وفكرة يريد أن تتحول إلى منهج حياة. وهذا بالطبع ما يميّزه عن بقية الأفلام العربية ويجعله قريبا من الأفلام الأجنبية التي تتناول مسألة العلاقة مع الله.

لا توجد رواية ولا فيلم ولا دعاية بلا جنس، أو على الأقل بلا تلميح جنسي. هذا الأمر يعيه كل منتج ومخرج وكاتب ومستهلك، حتى في المسلسلات التاريخية والدينية، وحتى في البرامج التي تبدو للوهلة الأولى "بريئة" وخالية من أي هدف ربحي.والمشكلة ليست في طرح الجنس بل في كيفية طرحه وتوظيفه.
وفي فيلم الريس عمر حرب، الجنس يوظف من أجل نشر عقيدة الشيطان. الجمل التي قالها الريس عمر حرب إلى موظفه في الكازينو والمزروعة بدقة في الفيلم تعبر عن رسائل الشيطان: فهو يقول له: "أنا اصطفيتك.. اخترتك لتكون صديقي" وفي مشهد آخر يريد منه أن يكون إبنه وشريكه.
ويقول ايضا: "الانسان خلق للخلود ولا يستطيع أن يعيش حياة كهذه". ثم يشجعه ويقول: "كن إله نفسك"، "بايمانك بنفسك تستطيع ان تشتري كل شيئ"، ثم يقول له: "لا شيئ في الكون يستطيع ان يتحرك بدون اذني" ويعالج خالد هذه الجملة الخطيرة بالاستغفار.
في نهاية الفيلم يكشف خالد هوية الريس عمر ويقول له: انت الشيطان. ويستعرض الريس سطوته ويري خالد ان كل أحداث الفيلم كانت من تخطيطه، وأن خالدا لا يستطيع ان يتحرك إلا في داخل الكازينو، وعليه ان يفعل ذلك شريطة الا يتعدى الحدود التي رسمت له.
وفي جولة استعراضية يحتضن عمر خالدا وسط تصفيق الموظفين في الكازينو. ويقول خالد، الذي يعاني من صراع بين الاستمرار في الكازينو الحرام وبين العودة إلى أهله اللذين رفضوه بسبب عمله هذا،انه لم يعد يستطيع العودة. وهكذا يختتم الفيلم بانتصارالشيطان.

روابط مسيحية
في مشهد آخر يرى الريس عمر حرب نفسه فوق القانون. برأيه القانون وضع لحماية الناس الضعفاء. ولكن الصفوة، أي الموهوبين مثله فهم خلقوا ليكونوا فوق القانون وأن حريتهم الشخصية هي القانون بعينه. مشهد في كامل الاستكبار والغرور. ويذكرنا بحوار إبليس مع الله رب العالمين عندما رفض السجود لآدم عاصيا ربه، بدعوى أنه أحسن منه، لخلقه من نار وخلق آدم من طين.

هل كان الشيطان يحلم بهذه المنصة التي لا تكتفي بالجنس، بل تبرر عقيدة الشيطان وتجعلها حلالا لمن يجد نفسه فوق القانون؟ فكرة الفيلم تقوم على تأليه الذات، عبادة النفس وشهواتها وتسخير الآخرين من أجل ذلك، والأكثر من ذلك أنها تنتصر في النهاية، وحتى التمرد البسيط الذي أعلنه البطل في النهاية يتحول إلى عدم.

يدمج الفيلم مشاهد مسيحية مثيرة للاهتمام، تجعلنا نرى بوضوح مصادره الثقافية، في أحد المشاهد يريد خالد مقابلة أحد المتنفذين في الكازينو، فأين يلتقيه؟ في السينما وهو يشاهد فيلم "الام المسيح" بينما يجلد "المسيح" ويتعذب. وفي مشهد اخر، يقابل البطل أحد المرابين في كنيسة والموعظة فيها عن الاله و"إبنه". وفي هذا تمهيد لأن يعرض الأب الريس عمر أبوته على من اصطفاه ليكون إبنه.
ومن خلال هذه المشاهد نستطيع ان نرى تأثر صناع الفيلم بالثقافة المسيحية الغربية، وهي غريبة عن واقعنا الإسلامي. ولكننا نرى أنه حتى أكثر الناس ربوية وإباحية بحاجة إلى دين. ولكن دين من؟ إنه دين الشيطان الذي يبنى على التسلط والتخويف.

وهم الانتصار
ربما تجد هذه الأفكار التي تدعو إلى تأليه الذات والفردية رواجا لها قبل الأزمة المالية الأمريكية التي تتباهى بالفردية والسوق الحرة، وعدم المراقبة والسيطرة، والتي تنتهج طريق القوة والتخويف من أجل فرض وجودها. ولكن مع وجود هذه الأزمة فقد تعرّت هذه الأفكار وأثبتت عدم نجاعتها، فسقطت مثل اوراق الخريف.

يمكن للشيطان ان يفرح بانتصاره المؤقت، وأن يهيئ للضعفاء ان لا مهرب منه. ولكنه لا يستطيع ان يفرح بذلك إلى الابد. فهو ومن والاه في طريق الضلال سائرون والى جهنم يحشرون. فالله كتب على نفسه الرحمة والنصر لمن والاه. والجميل في الإسلام أنه يبين لنا مصائد الشيطان ويأمرنا بالابتعاد عنها.













هناك تعليق واحد:

فتاة مسلمة يقول...

بسم الله لرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقا على ما ذكرتيه في اخر المقال فان الاسلام هو دين وقائي اي انه حتى لا نقع في المحرمات الاولى على النساء الحجاب والرجال غض البصر حتى لا تنتشر الرذيلة, بالاضافة الى هذا فان حكمة الله جاءت بان ليس دائما ينتصر الخير ولا الخير دائما يكون النصر حليفه وهكذا كان منذ بداية الاسلام فلم تكن كل ايام المسلمين بدر ولا كلها احد , ودائما للشيطان امر يجب ان يقوله وشر يجب ان ينشره
وفي بداية الموضوع طرحتي عدة التساؤلات عن مشروعية مشاهدة الافلام والمسلسلات وانا اقول لكي شيء انه يجب ان تفكري فيما اذا كانت هذة الافلام والمسلسلات ستعود عليك بالنفع او هل هي تضيف اليك شيء سيفيد في دينك ودنياك و مثل بعد المسلسلات الواقعية والتاريخية حتى لو كانت ربحية اسباب انتاجها فهذا حال الدنيا هناك من يريد ان يستقيد من كل شيء وبلع كما يقولون البيضة وقشرتها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ايدي تعبت من الكتابة واطلت الحكي