02‏/10‏/2008

اخبار جماعة من المسلمات في الاقصى


من الممكن فتح العينين على وسعهما. ومن الممكن محاولة فتح القلب واستعادة الذاكرة من اجل استيعاب ما حصل. كان شيئا خياليا. صحبة رائعة لا تشوبها احساسيس غيرة او حقد او تكلف. كنا مجموعة نساء في احد الاماكن الاكثر قداسة. كنا في المسجد الاقصى. في النبع. في الاقصى القديم. حيث لا نوافذ، هواء ياتي من مراوح، نجلس على سجاد فيه رطوبة واضاءة لا بأس بها. كنا نساءا من أماكن عديدة: القدس، الجليل، طولكرم، رام الله، الخليل، بيت لحم وبعض القرى المتناثرة بينهم. يجمعنا هم واحد.. رغبة واحدة في التقرب إلى الله والفوز بجنته.

"رأيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم" قالت بسيمة
كنا نبكي معا.. تشهق الواحدة منا بالبكاء ليتحول البكاء والخضوع إلى لغة الجسد. هذا ما كان في العشر الأواخر في رمضان لهذا العام. كنا نقيم الليل معا. نصلي معا. نتذاكر الاسلام معا. وفي الحلقات التي نتحدث فيها، كان الواقع الأليم يطغى والحزن يخيم علينا ليتبعه أمل في الرحمة ورجاء في الجنة.
بسيمة إمراة عمرها 62 عاما، جاءت من جنين. لم تتزوج. ربت إخوانها وأخواتها بعد وفاة والديها منذ حوالي خمسين عاما. ولكنها وجدت الجائزة في الدنيا وتقول: شاهدت النبي محمدا صلى الله عليه وسلم في منامي أكثر من مرة. في إحدى المرات رأيته يشد على كتفي وانا بالقرب من الكعبة.
تقول بسيمة هذه الكلمات وقشعريرة تعبر أجسادنا. نشعر برحمة الله لها وفي هذه اللحظات بالذات نعرف أنها لم تضع حياتها سدى، بل كانت لله وفي الله.

فاطمة التي لا تعترف بالحدود الا في طاعة الله
فاطمة، فتاة في الثلاثين من عمرها، من رام الله، تسللت إلى القدس، سارت في جبال مسافات طويلة وعبرت في وحل من النفايات من أجل الوصول إلى الأقصى. أمسك جنود الإحتلال بها وبمن معها مرتين، واوقفوهم على حاجز قلنديا مدة خمس ساعات متواصلة. تقول فاطمة التي استطاعت في المرة الثالثة العبور والوصول إلى المسجد: "هناك على الحاجز عرفت الذل أكثر من اي وقت مضى. عرفت بشاعة الإحتلال. إمراة متزوجة مع أولاد وفوق الثلاثين يمكن ان تحصل على تصريح عبور. ولو كانت المرأة عقيما ومتزوجة لما أعطوها إياه. أي ظلم هذا الذي نعيشه؟"
حاول شبان فلسطينيون التسلل من رام الله إلى القدس من أجل التعبد في ليلة القدر، أمسك بهم جنود الإحتلال واعملوا فيهم الضرب والشتيمة. كان أخ فاطمة أحدهم، وهو شاب يحافظ على لياقته البدنية كما يلتزم بدينه، ويبدو أن ذلك لم يعجب الجنود فقاموا بصب جام غضبهم وحقدهم عليه، ليتركوه عند الحاجز الملعون في الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

وفي المسجد مكان لنسمع النداءات والشكوى، إمراة في السبعين من العمر تشكو ابنيها وتقول: ربيتهم وتعبت عليهم. قتل اليهود والدهم قبل خمسين عاما. رفضت الزواج من اجل تربيتهم. ولما كبروا وتزوجوا عاملوني بعقوق. وتمسح الدموع من عينيها اللتان تحولتا الى حبتين من الزيتون الاخضر. فتاة أخرى بلغت الرابعة عشر من عمرها تقول ان اباها تزوج من اخرى وهجر امها، وتسألني إن كان أبي ايضا قد تركني وذهب!

ليلة المطر
"اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا" اعلناها قوية عالية في سماء ليلة ال 27 من رمضان ليسقط المطر. وسقط المطر وكانت تلك أجمل اللحظات في حياتي، ربنا اغسل عنا خطايانا، سبحانك ربنا إنا كنا ظالمين.

كنا نستطيع ان نلحظ تنوع الاجيال. جيل من الشابات المتعلمات وجيل من الأمهات والعجائز الاميات. كان هناك صراع خفي على من يقود تلك الامسيات الرمضانية، وفي النهاية حسم لمن يملك العلم بشرع الله. والتف الجميع حول العلم بشرع الله وكل اضاف حسب قدرته وعلمه.

دخلت رمضان مع كثير من التوقعات بهزة نفسية تعيدني لاكون اقرب الى الله. وها انا اخرج من رمضان وكلي عزيمة وامل في العمل من اجل تغيير نفسي من اجل ان يغير الله واقعي وواقع امتي. الجماعة كنز. ونحن اليوم بحاجة اكثر من اي وقت مضى الى الجماعة. فالتكن جماعتنا كل ايام السنة وليس رمضان فقط.

ليست هناك تعليقات: