23‏/06‏/2011

خارج السياق


نتحدث كثيرا عن السياق التاريخي والاجتماعي وغيره (أنا وحالي طبعا!). السياق مصطلح بالغ الاهمية في الدراسات المعاصرة ويشمل المعطيات حول الزمان، المكان، الأحداث، الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، العقائد وغيرها من أشكال الوعي. على الرغم من انه يحوي كل شيء تقريبا، ومطاط بالتعريف، إلا أنه من الصعب تحديد ما هو السياق بالضبط، مثله مثل بقية المصطلحات كالحضارة والدين والوعي وغيرها.
المهم أنك تعرف ما هو السياق عندما تعيشه، يعني عندما يشعر المرء أنه In ويا خراب ليله إذا كان Out!!
أحيانا أشعر بأني أنتمي إلى جماعة "خارج السياق"، هؤلاء الهامشيون الذين يكتبون على حواف التاريخ. حتى السياق هناك من يكتبه، من خلال إنتاج المعرفة والثقافة، وهناك من يستهلك هذا السياق ليصبح داخل السياق.
يشبّه بعض المثقفين البحث العلمي كالدخول الى حفلة والمشاركة في حديث، يعني يجب ان تدخل الى الحديث بطريقتك الخاصة بعد أن تكون قد استمعت الى مقتطفات مما قيل. وهذا طبعا سياق لمجتمع من "المثقفين" من النخب الذين يسمحون لانفسهم بدخول الحفلات. البحث مثل حفلة! جميل هذا التشبيه، وانا ادخل لأشارك برأيي في حوار مفتوح!!
ولكن ماذا مع عائشة؟ التي بلغت من العمر سبعون عاما قضتها في العمل والزراعة وتربية المواشي، هل تستطيع أن تصل إلى هذه الحفلة؟ وماذا عن ابنتها يسره، صديقتي التي ترتدي النقاب وتبحث لها عن مكان في قريتها، هل تستطيع ان تشارك في حفلة المعرفة هذه؟
عندما أتحدث إليهما كلا على انفراد، اشعر بذاتي فيهما، أشعر أني أنتمي إليهما، إلى صعوباتهن في الحياة. أعيش معهما التضحية الحقيقية، التي لا نجدها في "حفلات المعرفة"، وأجدني أسرع بعيدة عن حضور ما لا أجده ضروريا في المؤتمرات، وهي نوع من حفلات المعرفة، لأكون معهما ولأتابع معهن حديثا بدأ للتو.
تخبرني عائشة، أنها تريد التعلم حتى لا تموت، وتخرج لتحضر لقاءا في التاريخ أقوم بتنظيمه في الكلية، أراها فرحة مثل فتاة في الثانوية، تتلهف للمعرفة، وتحاول أن تدخل وتشارك في الحوار، وأحيانا يسكتها الخجل والذهول، أدفعها للحديث ببضع كلمات، تستجيب أحيانا وفي بعض الأحيان تؤثر الإستماع.
أما ابنتها يسره فقد أصبحت جزءا من صباح أيام الجمعة، تأتي لزيارتي، أستقبلها شبه نائمة وحالمة لندخل في حوار جديد قديم عنّا وعن احلامنا، ونحن نتناول إفطارنا الصباحي.
أحاول الآن وأنا أكتب في إقتراح البحث أن أتخيل الحلفة، عليّ ان أشارك برأيي، ولكن ماذا سأقول للمترفين؟ وماذا سأقول للمنافقين؟ وللهامشيين مثلي؟
هناك حفلة تنتظري وسأشارك فيها لعدة سنوات قادمة، هل أصرخ واخرج منها أم هل سأقول رأيي ومن بعدي الطوفان؟ أم سأهرب منها، وينفلت حذائي مثلا "ساندريلا"، ولا يمكنني حتى أن أتصور اميرا يلحقني ليقول لي: مهلا عزيزتي "فردة حذاءك"!!
صعب تكون In والأصعب طبعا تكون Out!

ليست هناك تعليقات: