18‏/06‏/2011

استعمل عقلك!

قدري أن أكون هنا، في هذا المكان الواسع على الرغم من ضيقه الفيزيائي، وفي هذا الزمان الشائك والتي تدق على أبوابه كل صنوف الفتن. قدري أن أعيش هذه الحياة، لا كما أحب وأهوى بل كما شاء لها الله تعالى أن تكون.
فما هي خياراتي؟ أأسير وفق الهوى فأضل وأخزى أم أسير في الطريق الطويلة والشائكة إلى الله تعالى؟

أخترت طريق الله، ولا أزال كل يوم أكتشف صدق الله وصدق طريقه. البارحة مثلا أنا أتابع فيلما وثائقيا عن الحامض النووي (DNA) حيث يسجل فيه تاريخ الانسان عبر اربعة احرف تسلسل في ملايين من الاعداد، ووصفه العلماء بأنه مثل كتاب يسجل فيه تاريخ الانسان. وبينما يريد علماء الوراثة ان يتتبعوا هذا الكتاب من اجل كشف اسرار الخلق فيه على امل منهم أنهم لربما يستطيعون خلق كائن مثله، وكلها أوهام يضعها الشيطان ويمنيهم غرورا، فالله وعدهم وعد الحق أنهم لن يخلقوا جناح بعوضة. بينما هم يتنازعون هذه الامانيّ، كنت أفكر في الكتاب الذي سيعرضه الله لكل عبد من عباده يوم القيامة، كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها! سبحان الله، لا يعجز عن مثل هذا الكتاب.
وصلت الى هذه المقارنة من خلال تأملي في آيات من القرآن الكريم. حيث أن الله يدعونا الى التأمل والمقارنة ويضرب لنا أمثالا في الخلق الذي نراه ونحسه ويمكن لنا أن نقيسه في عالم الشهادة، حتى نستطيع استيعاب وفهم قدرته في عالم الغيب، عالم ما بعد الحياة، بعد الموت وفي النشور وفي الحساب والجنة والنار.
الله تعالى يدعونا الى تأمل إحياء الأرض بعد موتها بالماء، وتشبيه ذلك بقدرته على احياء الموتى بعد الموت. هذه المقارنة التي اراها منطقية جدا في عصر يتحدثون فيه عن إلغاء المنطق في الدين. وخاصة اولائك الذين يدعون العلمانية ويبحثون عن الاسباب المنطقية وراء الكون، وهم يرفضون العقل المؤمن باعتباره جامدا لا يفكر بل يتقبل كل شيء بلا ادنى تفكير.

وفي نقاش لي مع احدهم، وهو استاذ في التاريخ، ولد مسلما ولكنه لا يعترف بالاسلام، بل يراه ثقافة كغيرها من الثقافات. قال لي: انتم الاسلاميون لا تستعملون عقولكم.
اجبت: انا مسلمة ولست اسلامية. اعرّف نفسي كما عرفني الله ورسوله، وليس كما المستشرقين (من الاجانب) والمستغربين (العرب الذين يتّبعون الغرب في كل ما يقول). على كل حال فيما لا نستعمل عقولنا؟
اجاب: في الدين، يعني كلها مسلّمات.
قلت له: اتقصد في الله مثلا أننا لا نستعمل عقولنا؟
اجاب: نعم.
قلت: اتعرف لا يمكن لنا ان نصل الى الله بعقولنا، لانها محدودة.
اجاب فرحا: انتم تقيدون العقل، لا يوجد عقل محدود، لا يوجد جمود في العقل.
قلت: ولكن فعلا وبالعقل لا نستطيع ان نصل الى الله من خلال حواسنا، يعني في عالم الشهادة، يعني حواسنا لا يمكن ان توصلنا الى الله، ولذلك فان عقلنا الذي يعتمد على المعلومات التي تصله من خلال هذه الحواس فعلا محدود، لا يمكن له ان يستوعب امورا بغير هذه الحواس. اتفق معك انه على محدودية العقل فانه لا محدود، لانه لم يكتشف ويستوعب الا القليل القليل مما يستطيعه.
قال: ومع ذلك، فهذا لا يدل على وجود الله.
قلت: لان الله يعلم اننا لا نستطيع ان نصله بعقلنا، لذلك ارسل لنا رسلا لتعريفنا به، فلو فرضنا انه لا يوجد هناك رسل، فلا يمكننا ان نصل الى الله وان نعبده كما يريد. لنتخيل انه لا يوجد انبياء، كيف سنعرف بصفات الله، بهدف الحياة والموت، بالبعث والنشور وغيرها. سنعرف انه يوجد شيء وراء هذا الكون ولكننا لن نعرف من هو وماذا يريد منا. فرسائل الانبياء والكتب السماوية غير المحرفه، واخرها القران الكريم هي وسيط بين الرب والعباد. بالمفهوم التاريخي هي وثائق ربانية، كتبها الله بنفسه لإخبارنا بها. أرى أنها مستند علمي يمكن للعقل ان يتفاهم معه، وأن يحلله. وبهذا نصل الى الله من خلال العقل.
قال: كل ما تقولينه ليس بمنطقي، لا اثبات على وجود الله.
قلت: حقا. اذن كيف وصلت الى هذه النتيجة؟ هل استطعت ان تصل الى ما وراء المادة؟ وكيف وصلت الى هناك؟ وان وصلت هل حقا لم تجد شيئا؟
قال: ما تقولينه ليس بمنطقي!

ما هو المنطق اذن؟ ان كنت ما اقوله ليس بالمنطقي، فهل المنطق في حقائق متغيرة ومعايير اخلاقية متغيرة تتناسب موازين القوة في كل زمان ومكان؟ واين القوة التي تحمي الضعفاء؟ في هذا العالم الظالم اهله باتباع الهوى الاخلاقي والقوة المادية، يقف الضعفاء على الهامش بلا حماية إنسانية، ويتصارع فيه الاقوياء بلا رحمة.
هل هذا هو المنطق؟ ان كان المنطق لا يقود الى عدل، برأيي فهو ليس بمنطق على الاطلاق!!

اقترب الى الله ببطء، أعترف بأن الطريق صعبة في هذا العالم المليئ بالأحزان، أتأمل حال الضعفاء، وأنا منهم، الذين يقفون على الهامش، أتأمل صديقاتي المتعلمات والعاديات وربات البيوت، أتأمل رجال مجتمعنا وهم لا يتحملون المسؤولية وللاسف لا يعرفون معنى القوامة. وأرى كثيرا من الضعف وعدم المنطق في عدم اتباع الحق. أتأمل حالي، وأسأل الله الصراط المستقيم.

ليست هناك تعليقات: