09‏/12‏/2008

ليلة الريش



في هذه الأيام أقرأ روايات عربية. لا اكاد افرغ من واحدة حتى أقرأ الاخرى. تتيح لي الروايات امكانية قراءة الواقع العربي، والوصول الى اماكن لا استطيع الوصول اليها جسديا بسبب جواز سفري العقيم الذي يسمح لي بزيارة مصر والاردن والمغرب من الدول العربية، بينما احرم من زيارة بقية وطني العربي والاسلامي.

ومن الطبيعي جدا كوننا لا نستطيع الوصول الى كل مكان. ولا الحديث مع كل شخص نراه ويهمنا ان نسمع رأيه في الواقع حتى ولو كانت لدى كل واحد منا طائرة، تعمل بالطاقة الشمسية، يسافر بها حول العالم يوميا بلا كلل ولا راحة بال. وهنا وفي هذه النقطة بالذات، نستطيع ان نمسك بكتاب او رواية ونقرأ فنتعرف. صحيح ان المعرفة جزئية وهي تخضع للكاتب وكيف يرى الكائنات والحياة، ولكنها قراءة للواقع وكيف يتلمسه، وخاصة ان كان كاتبا ذا حساسية لواقعه.

بين المثالية والواقعية

ويمكن اعتبار رواية ليلة الريش من عام 2004 للكاتب الأردني جمال ناجي رواية واقعية. واريد هنا ان اميز بين الروايات التقليدية التي عرفناها من منتصف القرن العشرين وحتى التسعينات منه وبين روايات اواخر التسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين. فالروايات التقليدية كانت تعرض المرغوب به، كانت في معظمها مثالية الطرح، البطل فيها لا شبيه له في الواقع. بينما الروايات الاخرى وهي روايات ما بعد الحداثة فانها تعكس الواقع كما هو. تكشف العيوب حتى بين الشخصيات في الرواية كما يحدث في الواقع. فشخصيات الرواية الحالية ليست ساذجة كما كانت من قبل.
ليلة الريش، هي الليلة التي اطلق فيها النار الحاج محمود على طيور البوم التي عششت في حديقة قصره. الليلة التي انكسرت فيها موازين قوته وسطوته، وهي ذاتها الليلة التي تحولت فيها السيطرة الى رجل آخر، وهو ابنه رجب، رجل الارقام والحواسيب.
ليلة ليست ككل ليلة تمر على مدينة ينمو فيها بنك مركزي وتجثم فيها بنايته وكأنه عملاق لا يريد ان يتحرك. عندما قرائتي للرواية توقعت ان تكون هذه المدينة عمان، ربما لان الكاتب اردني، ومع الوقت رايت عمان وانا اقرا الرواية التي تشهد على الناس في عالم يموج بالبحث عن المال والسلطة.
يتخلص رجب، رجل الارقام، رجل لا تهزه النساء الجميلات، من جيل الخردة وهم الموظفون الذين لا يعرفون التعامل مع الحواسيب ويستبدلهم بموظفين لا يرتدون البدلات الرسمية ولكنهم يهمتون بعملهم، فلا تغريهم المكائد ولا التذلل للمسؤولين.
وبينما تريد واحة، فتاة جميلة ذات عقل، ان تتقرب من رجب بناء على طلب أمه، تنكشف امام الرجل الرقمي، ولا تنتهي القصة بحب يربط بين اثنين، او بخيبة امل او بزواج. انما بمصلحة تربط بين رجل وامرأة. مصلحة العمل. رجب يفكر في واحة ويقول لنفسه انها تفيده كموظفة بدلا من زوجة. اما جابر ابن الخمسين الذي احب واحة، دون ان يقول لها هذه الكلمة وكانها مفهومة ضمنا، وجد نفسه رئيسا لهيئة الموظفين من اجل المطالبة بحقوقهم. وفي النهاية وبعد ان يحصل الموظفون على زيادات في اجورهم فانهم يتراجعون عن مطالبهم بل ويبالغون في التذلل الى ادارة البنك.

الراسمالية هي المراة
عندما تقرأ ليلة الريش فإنك ترى كيف تتفشى الرأسمالية في مدينة عربية، وكيف تتحول القيم، وتتغير مفاهيم الناس اليومية. كيف يسيطر الحاسوب على المجتمع ويصبح رجال الحاسوب ابطالا لانهم يستطيعون ان يكتشفوا وبسرعة النفاق الاجتماعي.
اما الاعيب النساء فانها مكشوفة دائما في هذه الرواية. فلا نجد غواية امرأة، ولا غموضا، وكان الكائنات اصبحت ارقاما ومعادلات. اما المشاعر فليست عذراء.
ربما هكذا اصبحنا دون ان ندري.





هناك تعليقان (2):

د. المطالع بن الكتاب يقول...

ارتقاء الرواية من البطل منقطع النظير الى البطل الذي يهرب مرتبط بالارتقاء من الشفاهية للكتابية و بالتالي القدرة على استبطان الداخل

اما الانتقال من المدير التقليدي الى المدير الرقمي فهو ايضا احد نتائج الارتقاء بالفكر من التجسيدي الى التجريدي بسبب الكتابية ايضا

لان المدير التقليدي يهتم بالابجدية اما رجل الحاسوب فيهتم بالارقام وهي مرحلة تجريدية اعلى من الابجدية

شهرزاد يقول...

لا اؤيد النظرة الداروينية الى الامور وكان الامور تتطور من اتجاه لاخر وكان ما هو اليوم افضل مما كان في الماضي
ولا ننسى ان هناك اميين لا يعرفون القراءة والكتابة
واميون لا يعرفون التعامل مع الحاسوب
فهل هذا يعني انهم لم يتطوروا كفاية؟
لكل جيل مميزاته قوته وضعفه.. منها ينبت الجيل القادم بقوته وضعفه