09‏/12‏/2008

رسائل لم تصل بعد



كثيرة هي الأفكار التي تجتاحني في هذا الشتاء. شتاء بلا امطار كثيرة. شتاء غريب. تعكس غرابته غرابتنا أيضا في النظر الى الاشياء والناس والإحساس بهم.

زيف المواقف
في حوار ساخن في مجموعة نقاش مع مربين يهود. قالت مربية فلسطينية واسمها مرام: "ادرس اللغة العربية لأطفال عرب ويهود في الصف الأل الابتدائي في مدرسة ثنائية اللغة في القدس. مدرسة معروفة. في أحد الأيام توجهت لي إحدى المدرسات اليهوديات في المدرسة وهي أم لطالب يدرس في الصف الأول وقالت لي: كيف يمكن لي ان اجعل ابني ينسى اللغة العربية؟ فهو يرطن بكلمات عربية في البيت. لا اريده ان يصبح عربيا؟!"
مرام كانت في حالة من الصدمة عندما سمعت هذا الكلام. ولكنها تمالكت نفسها وقالت: وما المشكلة في ان يكون ابنك عربيا؟ الام اليهودية التي كانت فعلا قلقلة على مستقبلها في المدرسة، كمربية حاولت ان تتهرب من الاجابة، وقالت انها تريد ان يكون ابنها يهوديا وعبريا. نعم جئت به الى مدرسة مختلطة ولكن ليس الى درجة ان يذوب في الاخر.
قالت مرام: ادرس في مدرسة يدعي كل من فيها ايمانه بالسلام والتآلف بين الشعوب في المنطقة، وينظرون لذلك. ولكن في واقع الحال تعكس مثل هذه المواقف حقيقة هؤلاء.
ولا تتمالك مرام نفسها لتضيف: ولهذه المدرسة احتفالات تميزها عن غيرها من المدارس، حيث أنها تذكر الاحداث التاريخية وتحتفل بالاعياد الدينية الخاصة بالشعبين العربي واليهودي على مدار السنة. ويعتبر يوم النكبة من اصعب الايام عليّ. حيث اني اشرح لطلاب صفي من العرب واليهود معنى النكبة، المفتاح، البيت، الزيتون وغير ذلك من الامور حتى يفهموا معنى اللجوء.
تسكت مرام قليلا لتتابع: وفي هذه اللحظات اشعر باني اقف امام جيل يهودي بالغ، وفجاة يتحول الاطفال بكل براءتهم الى مدافعين عن الصهيونية. وطبعا هذا بسبب اهاليهم الذين يعلمونهم في البيت كل ما يناقض النكبة ويغرسون فيهم ان هذه ارضهم من الفي عام.
مرام لا تعرف ان كانت حقا تؤثر في هؤلاء الاطفال. ولكنها تذكر جيدا ما حدث لها يوم "الاستقلال" عند اليهود، حيث طلبت منها احدى المدرسات اليهوديات ان تحمل علم اسرائيل لتريه للاطفال العرب. مرام رفضت هذا الطلب الذي فيه من الاساءة ما فيه. وقالت: لماذا احمل علما ليس لي ولا يعبر عني. لدي علم فلسطين سأعرف عليه طلاب الصف.
قلت لمرام: نحتاجك في مدارسنا. اتركي هذه المدرسة. لدينا جيل بحاجة الى تربية فريدة. يريدون في اسرائيل ان يتعلموا اللغة العربية ليحاربونا فيها.
قالت موجهة النقاش اليهودية: وما المشكلة في ان تخاف الام اليهودية على ابنها ان يتعلم العربية؟
قالت مرام: اذن لتذهب الى مدرسة اخرى ولكن لا ان تدعي بانها تؤمن بشيئ وتفعل نقيضه.
ردت الموجهة: لا ارى تناقضا بين الايمان بشيئ وفعل ضده.
قال علاء: العرب يجب ان يتعلموا العربية والعبرية ولكن ليس للحديث بها في البيت وكذلك اليهود.
قلت بالعربية ورفضت ان يترجم قولي: هذا استغلال. وهذا نفاق. لا استطيع ان اتصور احدا يستطيع ان يظهر غير ما يبطن الا منافق. ولا يمكن الوثوق باحد يفكر ويتصرف بهذه الطريقة.

مسلم ويتحول..
وفي حديث آخر مع شاب مقدسي، مسلم ولكنه قفز عن الاسلام، واصبح لا يؤمن بالديانات. يشكك بالقرآن والسنة. ويقول انه يؤمن بان لا اله الا الله. هذا الشاب وساعطيه اسم المتحول، يعكس ظاهرة. مقدسي، يعيش الصراع يوميا مع الاخر اليهودي الاسرائيلي، ولمنه يتفاخر كونه يعرف اصدقاء يهود لمدة اربع سنوات يبوح لهم بمكنونات قلبه التي لا يقولها لغيرهم من بني آدم. يعني اصدقاء للعظم. ويبدو ان هذه الصداقة جعلته ينظر الى الامور بطريقة جدا مختلفة. يعني لا مشكلة لديه مع المثليين، "ليعيشوا كما يريدون، واذا ارادوا ان يرعوا اطفالا من بيوت ايتام، فاليفعلوا. فهذا من خياراتهم".
ويبدو ان المتحول يعتبر هذه القضية هامة من الدرجة الاولى للتعبير عن "تحضر" اصبح يؤمن به. بينما يهاجم بكل قوته الاسلام، ويتحدث عن تاريخ الاسلام وكانه تاريخ عن رجال قضوا اوقاتهم وهم في احضان النساء، مثنى وثلاث ورباع وما ملكت ايمان المسلمين. ويرفض المتحول بكل حزم ان يسمع عن حضارة الاسلام وانجازاته في العالم، على اعتبار انها ماض سحيق غارق في القدم، لا يفيد في شيء.

يمكن الرد وباساليب عديدة وعلمية على ادعاءات المتحول. ولكن الذي يلفت نظري في هذا الحوار الذي تحول الى معركة شبه طاحنة بيني وبينه، هو ان الشاب كان يعيش صراعا بين عقيدة اسلامية وبين فوضى يعيشها اليوم مع اصحابه اليهود. فالعقيدة الاسلامية تنظم امور العبد وعلاقته بربه، ولكنها في الوقت ذاته غير مطبقة تماما وتخضع الى تجارب هنا وهناك في ظل عدم وجود دولة اسلامية. بينما فوضى الرغبات و"الاختيارات" التي يعيشها مجتمع اللاعقيدة فلا يحكمه حد او رادع الهي، الا ما يسمونه "الضمير" ولكنه ايضا غير موضوعي ويمكن ان يقود الى تغليب المصالح على القيم والتبرير لذلك. وفي نفس الوقت تدعم منظومة الافكار هذه قوة سياسية واقتصادية اكاديمية وفكرية.

رسائل لم تكتب بعد..
الرسائل التي لم تكتب بعد هي الرسائل التي يعبر فيها الكاتب عن تعاطفه وفهمه وحبه. وليست تلك التي يبدو فيها غير مبال بينما هو يكتوي بالضعف.
وفي حوار بين رجل وامرأة، يعاني الرجل من فائض من التوقعات من شريكة حياته. وتعاني المرأة من اختزال المواقف في كلمتي نعم ولا.
تتميز بعض العلاقات بكون الرجل يطالب دائما والمرأة تنفذ دائما. او العكس فهي تطلب وهو ينفذ. دون ان يقول احد للآخر هنا يقف حدي. يخاف كل منهما على فقدان الاخر. ولا يعلمان انه اذا لم يتعلما كيفية التعامل مع المتوقعات والطلبات فانهما سيقولان كثيرا: مللت. وسيقولانها وهما يمتلآن حسرة على لحظات جميلة كان يمكن ان تكون.. ولكنها ضاعت في ظل المراوحة بين نعم ولا.




هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

سلوى يا سلوى ليش عم تبكي؟

زاكرة هاي الاغنية للصغار كنا نغنيها واحنا بدائرة

هه


سلوى كم ادخل هنا أقرا واقرا واقرا اشعر اني اقرا لأحد عملاقة الكتابة

مميزة جدا جدا جدا
دائما ازور مدونتك وأرتشف ماهو مميز
ورائع

دمت لنا كاتبة رائعة ومميزة يا سلوى

جزاك الله كل خيرا
"على فكرة ضفتك على الجميل قبل بس ما بعرف شكلك ما قبلتني"

د. المطالع بن الكتاب يقول...

1) اذا ارادوا ان يرعوا اطفالا من بيوت ايتام، فاليفعلوا. فهذا من خياراتهم".-

فليفعلوا

2) اسمه مرتد

شهرزاد يقول...

اشكر الطير المعجبة
وفوضى عارمة على تعليقاتهما
ولا اضافة