31‏/12‏/2008

غزة وزمن وضوح الرؤية!


غزة لا تموت. مر فيها الغزاة ورحلوا. مر فيها قادة امثال فرعون مصر، الاكسندر ونابليون بونابارت وهم يحلمون بالسيطرة على القطاع الذي يربط افريقيا والمشرق العربي، ولكنهم رحلوا.
حضارات عدة كانت في غزة حيث وفد اليها اليونانيون وفراعنة مصر القديمة والفرس والرومان. وترك البريطانيون والاتراك وآخرون بصماتهم فيها التي توصف بأنها اقدم مدينة في العالم. ويرقد تاريخها تحتها وفي شعبها الذي يرفض الموت بالذل والمهانة.

في البداية كبر وفي النهاية غرق في بحر
ان قراءة في الايات الخمسين الاولى في سورة القصص لا بد ان تلهم المسلم بالكثير. حيث تحكي قصة فرعون مع بني اسرائيل. وكيف ان فرعون علا في الارض واسكتبر واتخذ اهلها شيعا، يستضعف فئة ويقتل اخرى. حتى وصفه الله بانه وقومه من الظالمين.
وصل فرعون الى اعتزاز بالذات وبالامكانيات المادية والاقتصادية والجيش والمخابرات الى درجة ادعى فيها انه الاله الذي يستحق العبادة والخضوع.
ولما رفض الايات التي ارسلها له الله، واخلف العهود التي قطعها لنبي الله موسى استكبر زيادة. ووصل الى درجة من القوة والثقة الى ان يحشد جيشه وكل من معه، حتى خرج بكل زينته الى حتفه، ليغرق جنده في البحر، ليذهب كل ما خطط له هباءا منثورا، وحتى يكون آيه لمن بعده ليس فقط مادية (لانه تم اكتشاف محنط يقال انه هو فرعون موسى لم يغرق في البحر كما اظهر القرآن الكريم) انما ايضا معنوية، حيث ان الرسالة واضحة في هذا السياق: انه مهما بلغ جبروت الظالم وسلطته وثقته بامكانياته المادية، فانه الى زوال وبطريقة لن يتوقعها ابدا.
لنكن على يقين ان ظلم اهل غزة لن يدوم. وان الظالمين لن يعمروا في الارض كما يحلمون، بل سيأتيهم الله بجند لا قبل لهم بها.
ولنكن على يقين بان ألم المحاصرين والضعفاء سيكون باذن الله طهورا لهم من ذنوبهم. وان صبرهم واحتسابهم الاجر سيدخلهم جنات الله باذنه.

اللهم افرغ علينا صبرا
الابتلاء كبير. وهناك دعوات مباركة الى الدعاء، الصيام، التظاهر والتعاطف مع اهل غزة. ولكن التخبط اكثر، كثيرون يشعرون بالاحباط وعدم القدرة على فعل اي شيء. هذا الشلل طبعا هو آخر ما نريده في هذا الوضع الصعب.
تاريخنا لا يخلو من المصاعب التي وقف فيها اجدادنا وقالوا كلمتهم وفعلوا دون ان يقنطوا من رحمة الله.
ويحضرني في هذه الازمة موقف عظيم لصحابي جليل. انظروا الى الموقف بعد وفاة المصطفى محمد عليه الف صلاة وسلام. كيف كثر الحديث والخوف، حتى ان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يصدق وقال بان الرسول لا بد رفع كما رفع عبد الله عيسى، وهذا من صدمته. فما كان من ابو بكر الصديق ان وقف وقفته العظيمة وقال: من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت.
وكأن ابا بكرقد تهيأ في صحبة الرسول الى هذه اللحظة التي تحتاج الى الثبات. وفي موقف اخر له، عندما تمردت القبائل العربية على الاسلام، وكان المسلمون وقتها 10 الاف مسلم، تقلبت من حولهم الامور وساءت. حتى ان عض الصحابة نصحوا ابا بكر ان يبقى في داره. فم كان منه الا ان اخذ بالاسباب واعلنها خربا على المرتدين والمنافقين.
وهناك الالاف من المواقف للقادة المسلمين عبر التاريخ في مواجهة الازمات يمكن ان نتعلم منها الكثير. وخير مثال لنا هو رسول الله عليه السلام عندما حوصر في شعاب مكة ثلاث سنين متواصلة حتى اكل الصحابة الاعشاب. وفيه لنا عبر في قوة الايمان والتوكل على الله والتقرب منه تذللا وطلبا للعون والغوث.

في الازمات..
نحتاج لنتقرب من الله اكثر
نتعلم من تجاربنا
نكون على يقين بان النصر آت مهما طال ليل الظلم
نتوكل على الله ونتفائل بالخير
نبصر كيف تجعلنا الازمة نميَز بين المنافقين واللامبالين وبين المسلمين حقا

انه بالفعل زمن وضوح الرؤية كما وصفة الشيخ د. راغب السرجاني.

ليست هناك تعليقات: