02‏/09‏/2008

خواطر في طريق مهاجر

خواطر في طريق مهاجر

كان يلتمس طريقه وسط العتمة، الحجارة المتناثرة في كل مكان تعيق حركته، العرق يتسلل على وجهه وكل جسده يلهث. يتابع سيره نحو الأعلى، إلى جهة لا يعرفها إلا هو. وجهه يتحدث بالكثير وشفتاه المتشققتان المرتجفتان لم تذوقا الماء منذ فترة طويلة، ظهره ينحني تحت وطأة كيس أبيض، إنه يحمل كفنه ويمشي.
انحبست الدموع في عينيّ وأنا أراه. ناديته بصراخ أخرس:"جدي... جدي". فتحت عيني وإذا بأذان الفجر ينادي للصلاة. أغمضت عيني وناديت: "جدي!". لم يجبني. تابع مسيره إلى بعيد. قمت من نومي وإذا بجدي غائب من الدنيا.
رحل ورحلت معه المأساة كما هو يراها. كان يدفن حزنه في عينيه. لم أستطع أن أحصل منه على أي جواب... ولا تزال الأسئلة تطاردني.

* * *
في حركة مسرحية سكب الخمر من كأس البلاستيك التي كان يحملها، ورفع يده الى السماء وقال: "لم أر محجبة في شوارع نابولي. يا الله كم خسرت من سنوات عمري!". كان وجهه ينبئ بالألم الذي يعتصره، عينان سوداوان لم تعرفا طعم النوم، جسم نحيل ويدان مليئتان بالجروح. إنهما يدا عامل في مصنع للألبان في المدينة الفقيرة. اسمه محمد وهو من تونس، هاجر الى أوروبا ليعمل وهجر إسلامه: "قبل خمس سنوات كنت داعية للإسلام، والان انا كما ترين لا أفارق الخمر". احترقت عيناه بالدموع وقال: "بماذا سأجيب ربي عندما أقف أمامه ويسألني: ماذا قدمت لفلسطين يا محمد؟ ماذا قدمت للأقصى يا محمد؟"
كانت مناجاة من قلب صادق، قلت له وأنا أغادر: "اذهب وصلي" ومضيت للبحر.

* * *
- هل تريدين اعترافا بالجريمة؟ لن اعترف بمصداقية الجريمة.
- ولكننا شعب نعاني من الخوف. شعب مضطهد. شعب ذاق الويلات في أوروبا، هذه دولتنا نحن. لا مانع لدينا أن تكونوا مواطنين مع حقوق ولكن هناك واجبات. لا نستطيع أن نقبلكم وانتم تشعرون بالانتماء لشعب هو عدونا... أريد أن اسمع منك تفهما لخوفي. ماذا سيكون حالنا لو عاد اللاجئون الى البلاد، سنفقد هويتنا ودولتنا اليهودية. لن نقبل بهذا، ليأخذوا التعويضات وليعيشوا بعيدا عن هنا.
- لست السبب في خوفك وشعورك بالاضطهاد، هذه مسئوليتك حتى لا تخافي. عليك أن تتوقفي عن الخوف من كل شيء. أنتمي لشعبي وديني ولن أنتمي لغيرهما. المشكلة أنكم شعب يعيش في مصيدة الخوف والوهم وتريدون أن ننتقل لنعيش معكم هناك بدلا من أن تحاسبوا أنفسكم للخروج منها.
تقلبت العيون في مجموعة الحوار وأطبق صمت عميق. لم يكن هناك مجال للبيع.

ليست هناك تعليقات: